نخلص مما تَقَدَّمَ إلى أن المقال الصحفي فنٌّ حضاريٌّ يقوم على وظيفة اجتماعية عملية، ويتَّصل بهذا المجال الثقافي الحي الفعَّال بالعروة الوثقى، ذلك أنه يتوسَّل بأقوى المنظمات في الحياة الاجتماعية، وهي اللغة.
وما دامت اللغة هي الرابطة الكبرى بين المقال الصحفي والمجتمع، فإن النظر العلمي إلى اللغة يقتضي ألا ننظر إليها على أنها مجموعة القواعد التي نُحَصِّلُهَا ونسمِّيَها بالنحو المتواضَعِ عليه، وهي لا يمكن أن تكون وسيلة "إفادة" فحسب، بل لا يمكن أن تخضع لقواعد المنطق الصوري أو المنطق الأرسططاليسي الذي قسَّمَ الكلام إلى مخارج محدودة جعلها أسماء وأفعالاً وأدوات. فاللغة ليست هذا كله، ذلك لأنها بمفهومها الاجتماعي سلوك فردي وجماعي, وهو المفهوم الذي يقرب الشُّقَّةَ بين اللغة والفن الصحفي، من حيث أن الصحافة مرآةٌ تنعكس عليها مشاعر الجماعة وآراؤها وخواطرها، أو هي -كما يقول أوتوجروت- تجسيد لروح الأمة1.
وتأسيسًا على هذا الفهم, فإن بلاغة المقال الصحفي تختلف عن البلاغة الجمالية لفنِّ المقال الأدبي التي تجعل من الأخير فنًّا جماليًّا، في حين ترتبط البلاغة الجديدة للمقال الصحفي بكونه فنًّا تطبيقيًّا، يدخل في اعتباره أمورًا عملية فنية اجتماعية. فالمقال الصحفي يجب أن يراعي في بلاغته: مستوى القرَّاء وثقافتهم, وسياسة الصحيفة، وقوانين المطبوعات والرقابة، والتعبير