المبسَّط عن الأفكار المعقَّدة لتلائم السواد الأعظم من الجماهير المتَّصل بها1. فالفرق إذن بين الأديب والكاتب الصحفي في فن المقال هو في نزوع أحدهما إلى أعماق النفس البشرية نزوعًا جماليًّا لذاته، ونزوع الثاني منزع الناقد الاجتماعي الذي يُعْنَى بالواقع والتفاصيل2.

واقتضى هذا الفهم الجديد لبلاغة الاتصال بالجماهير تطويعَ اللغة لتتسع للكثير في نطاق الفكر النظري والتطبيقات العملية، طواعيةً ليست في المفردات فحسب، بل في التراكيب وصور الأداء. وقد أدت هذه البلاغة الجديدة المرتبطة بالفنِّ الصحفي نشأةً وبيئةً إلى تحرُّرِ أسلوب التحرير العربي من "تلك الأغلال والقيود التي كان يَرْسُفُ فيها النثر القديم"3, والتي كان بتكلُّفِهَا في آواخر القرن الماضي "بحكم العادة، ولم يكن بُدٌّ في ذلك الوقت الذي أحسَّ فيه العقل الشرقي حريته وشخصيته من أن تشبَّ الحرب ضروسًا بين المذهبين المختصمين دائمًا في النثر: مذهب أصحاب القديم, ومذهب أصحاب الجديد، وقد شبَّت بالفعل هذه الحرب"4.

على أن البلاغة الجديدة لا ترتبط بالسوريين في مصر "لأنهم أقرب إلى النشاط في الأدب منهم إلى النشاط في غيره"5 كما يقول طه حسين، ولكنها ترتبط أوثق الارتباط بتطور التحرير الصحفي عند كُتَّابِ المقال من المصريين على نحو ما نعرف عند الأستاذ الإمام، الذي انتقل من الفصول التي لا تخلو من آثار القديم، إلى كتابة فصول مختلفةٍ كلَّ الاختلاف عَمَّا كان يكتب في أوائل القرن الماضي وفي منتصفه أيضًا، فيها حرية لفظية ومعنوية ظاهرة، وفيها اجتهاد في اختيار الحرِّ من اللفظ, واجتناب المبْتَذَلِ، وفيها طموحٌ إلى الجديد لم يكن يألفه الكُتَّاب المصريون من قبل6. ذلك أن البلاغة الجديدة في نهاية الأمر لا تنفصل عن وسيلة الاتصال الصحفي بالجماهير، ذلك أن الصحفي -عند طه حسين7- "مضطر بحكم صناعته, وما تستتبعه من العجلة والتحدُّث إلى الجمهور, إلى أن يتحلَّلَ من هذه القيود البديعية، ويتخلَّص من هذه الأغلال الفنية"8..

ولم يكد ينتهي القرن الماضي حتى أسفر الجهاد بين القديم والجديد عن تحديد معالم البلاغة الجديدة للفن الصحفي, فأصبح "أنصار القديم لا يتمسَّكون بركاكة الجبرتي، ولا يحرصون على بديع ابن حجة، وإنما يتمسَّكون بقديم بغداد وغيرها من أمصار البلاد العربية في العصر العباسي، ويتمسَّكون بصحة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015