أن المنفلوطي كان "يمثِّلُ اتجاهات عصره غير الواضحة المعالم بل والمتناقضة"1. ولذلك اتَّسَمَ أسلوب المنفلوطي الذي تأثر به طه حسين في مرحلة التقليد بغلبة "الغنائية الفردية على صياغته وصوره، وبرنَّةِ الحزن التي كانت تغلب على الرومانسيين في كثيرٍ من الأحيان، والتي تجيء ثمرةً لاصطدام الفرد بسلطان المجتمع، وعدم قدرته على التكيُّفِ، فيجنح إلى التسليم، ويكتفي من المقاومة بالحزن وما يشبه البكاء"2. وحين نسترجع صورة سخط طه حسين على بيئته الأزهرية وتبرُّمه بها، وعدم قدرته على التكيُّف مع الاتجاه التقليدي المحافظ، نجد التفسير المقبول لاتجاهه في اتجاه المنفلوطي في تلك الفترة.

على أنَّنَا نلاحظ تشابهًا في تطوّر الأسلوب الكتابي عند طه حسين مع تطوُّر أسلوب الأستاذ الإمام منذ كان الأخير يكتب وهو طالب في الأزهر "حتى لكأنه شاعر في غرزمته يطمح إلى مجدٍ أدبي لم يتح له بعد"3 إلى أن كتب في الوقائع المصرية، وما أحدثته الثورة العرابية من تحوُّلٍ في الاتجاهين الاجتماعي، والسياسي4، حيث عدل عدولًا ظاهرًا في هذه المرحلة عن السجع إلى ما يسميه النقاد "بازدواج" أو الترادف الصوتي. ونفس الشيء تقريبًا في الخطِّ البياني لتطوُّرِ أسلوب طه حسين، حين انتقل من الأزهر إلى الجامعة، واتَّصَل بالجريدة ومديرها الذي كان يمثِّلُ القمة5 التي سمت إليها المدرسة الحديثة في التَّرَسُّلِ الصحفي الذي يمتاز بالبساطة والوضوح وحرية التعبير القائم على التعقيل الصحيح.

ومعنى ذلك أن المقال الصحفيِّ على النمط الحديث بلغ ذروته تقريبًا على يد لطفي السيد، ووصل قرب نهايته عنده6.

ولعلَّ في هذا التطوُّرِ ما يفسِّرُ اتجاه طه حسين مع أبناء مدرسة التجديد الذين قضوا فترة التكوين في "الجريدة" إلى رفض أسلوب المنفلوطي ومذهبه, على الرغم من إعجاب مدير الجريدة به, واعتباره إياه من "أشياخ البيان", وأنه "يمتاز بالمساواة" و"استعمال ألفاظ الخصوص, فلا يُلْبِسُ معنى الألفاظ الذي لا يكاد يشاركه فيه معنًى آخر"، وهي السمات التي كان لطفي السيد يدعو إلى تحقيقها في الأسلوب الكتابي، لتكون العبارة اللفظية مساوية للغرض الفكري الذي تؤديه، وأن يكون اللفظ على قدر معناه. ولذلك تمثل تلاميذ الجريدة من التجديديين أسلوب أستاذهم حين ذهبوا إلى انتقاد المنفلوطي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015