إلى أن يقول: ".. غير أن الفلك برغم ذلك آخذٌ مداره لا أليًا1 ولا حثيثًا2 والكواكب على الكره منه آخذة مجراها كما هي الآن"3.. إلخ.
على أنَّ هذا الأسلوب المتأثِّر بالمدرسة القديمة في الترَسُّلِ الصحفي الذي يمتاز بالزينة والزخرف4 ما يلبث أن يتأثَّر بالأدب النثري الذي انتهى إليه المنفلوطي، غاية في ذاته، أي: أدب إنشائيٌّ لا يهدف إلى تعليمٍ لغويٍّ أو سياسي5، مع ميلٍ إلى الأسلوب المرسَلِ الخالي من تكلُّفِ السجع ونقل الصيغ والقوالب القديمة، وهي ميزة يعزوها العقاد6 إلى أيام المنفلوطي لا إلى جرأته وحسن اختياره.
ويذكر طه حسين أنه في بداية المرحلة الأولى في بيئة التكوين، كان من أَشَدِّ المعجبين بالمنفلوطي, يقرأ له النظرات فتقع من قلبه موقعًا حسنًا7، ولذلك نجد في مقالاته المبكرة ميلًا شديدًا إلى تقليد المنفلوطي والتأثُّرِ به، فيكتب بعنوان: "بين العبرات والزفرات"8 مقالات يسلك فيها مسلك المنفلوطي في مخاطبة الوجدان ومحاولة إثارة العواطف, ومن "عبرات وزفرات" طه حسين قوله:
"يقضي ساعات الليل ومعظم النهار بين قلبٍ يجفُّ9 ودمع يكفُّ10 وجسم يرتجف, شهيق وحريق، زفير وسعير، وجيب ولهيب، عين ساهرة، وهموم ثائرة، ونفس حائرة بين ماضٍ مؤلم، ومستقبل مظلم"11، ثم قوله: رحماك اللهم بهذا الشاب، ماذا جنى؟ وما عسى أن يكون ذنبه؟ "12 إلخ. مما يكشف عن تأثُّر هذه العبرات بأسلوب المنفلوطي في الإنشاء، مثل "أواه.. ويلاه.. ليتني"13 و"رحماك اللهم! أيذوي هذا الغصن اللدن"14.. إلخ.
ومن النماذج الأولى في مرحلة التقليد، يبين كذلك، تمثُّل أسلوب المقامة العربية في شكلها المعروف في الأد اء، في مقال طه حسين، إلى جانب تأثُّرِه بالمنفلوطي في أسلوب الإنشاء، حين يحتذيه في تصوير حيرة الشباب. ذلك