تَعَرَّفْنَا في بيئة التكوين الصحفي للدكتور طه حسين، على مرحلة الانتقال من التقليد إلى التجديد، من الأزهر إلى الجامعة، ثائرًا على الاتجاه التقليدي، مترسِّمًا مثلًَا أعلى في المناهج الجديدة، مُتَمَثِّلًا اتجاهاتها في "الجريدة" والجامعة, وفي ضوء هذه الصورة العامة تَتَلَمَّسُ الخط البياني في تكوين مقال طه حسين، منذ بدأ يقلد طريقة المتأدبين التقليديين، فيتحرَّى السجع في الكتابة، ويحشد لمقاله طائفة من الألفاظ الغربية، والتشبيهات التي ربما لا يستريح الذوق الحديث إلى الكثير منها، ذلك أن الميل الأدبي قد ظهر عند طه حسين في فترة مبكرة، وهو في أحضان البيئة الأزهرية، حيث أخذ ينظم القائد من حين إلى حين، وكان الشيخ المرصفي ينمِّي لديه هذا الاتجاه, ويكلفه مع زملائه بالكتابة في موضوعٍ من الموضوعات شعرًا ونثرًا1. ومن ذلك ما يذكره الأستاذ الزيات2 من أن طه حسين قد غدا "على الشيخ بقصيدة حماسية الموضوع، جاهلية الأسلوب، تمثِّلُ ما انطبع في خاطره من صور الشعر القديم"3.
ولذلك اتَّسَم مقال طه حسين في بدايته، بطول النَّفَس في العبارة, محاولته تقليد أسلوب الكُتَّاب المفتونين بالسجع في القرن الرابع الهجري, مما يكشف عن استعداد مبكر للكتابة، إلى أن معانيه في المقالات الأولى تصوِّرُ حيرته بين الأزهر والجامعة، كما في مقاله: "وَيْحِي من غَدٍ"4، حيث نجد كذلك هذا الاتجاه إلى السجع المتكلف والتراكيب القديمة, يقول:
"تغرب شمس اليوم وإن عيونًا كثيرة لتلحظها لحظ المشفق الأَسِفِ، أو الشيق الكَلِفِ:
هذا يقول لها اعجلي لا تبطئ ... ويقول ذاك لها اذهبي لا ترجعي"5