بل أن المؤلفات التي تبدو مغرقة في البحث الأكاديمي الصِّرْف لا تخلو من هذا الاتجاه الصريح أو الخفيِّ لتنوير مواطنيه بحقائق الأوضاع المختلفة في نظامهم السياسي والاجتماعي والفكري، وذلك إما بالكشف عن مواضع هذا الخلل، وإما بالتنوير بأنظمة أفضل تحققت في عهود مضت, أو في مجتمعات حديثة غير المجتمع المصري1. ولعل في ذلك ما يشير إلى هدف الدراسة الصحفية، في التعرُّف على طه حسين من وراء صحافته، على النحو الذي يبرز هذه الرؤية الاجتماعية العلمية التي تَكْمُنُ وراء آثاره الصحفية والفكرية على السواء، في نطاق الصحفيين والأدباء ودعاة الإصلاح الذين كان يعيش بينهم، وفي نطاق علاقات التأثُّرِ والتأثير التي تمثِّل لنا مقاله الصحفي أشدَّ وضوحًا, وتضعه في مكانه من آثار رواد النهضة المصرية الحديثة.
ولعل في هذه الرؤيا الصحفية لآثار طه حسين، ما يفسِّر اتجاه بعض الدارسين2 إلى اعتباره أكثر اتساقًا في التفكير وفنية الأسلوب، وأكثر تأثيرًا في النهضة المصرية، كما يعتبر "ألبرت حوراني"3 إن الأفكار التي نادى بها زعماء النهضة الحديثة قد بدأت تتبلور عند طه حسين، وأنها أثَّرت على التفكير الاجتماعي والعمل السياسي في العالم العربي بأسره على مدى ثلاثة أجيال4.
ولقد تقاضانا المنهج العلمي في دراسة "فن المقال الصحفي في أدب طه حسين" أن ننطلق من فهم عملية الإعلام على أنها في جوهرها عملية اتصال بين كاتب وقارئ، عن طريق وسيلة إعلامية تنتقل بواسطتها الرسالة من طرف إلى آخر5. الأمر الذي يجعل دراسة المقال الصحفي في مكانه من عملية الإعلام، كجزء من الموقف الاتصالي العام بأبعاده النفسية والاجتماعية والثقافية.
ولذلك انقسمت هذه الدراسة إلى عدد من الفصول، نتناول في كلٍّ منها جانبًا من جوانب العملية الإعلامية، في الأطر الاجتماعية والطبيعية والسيكولوجية والثقافية6.
ففي دراستنا لمقومات الاتصال الصحفي -في الفصل الأول- عنينا عنايةً خاصَّةً بدارسة هذه الأُطُر من خلال تحديد الصلة بين البيئتين العامة والخاصة،