محاولين تعيين ما لكليهما من أثرٍ في مقاله الصحفي، وما لكليهما من أثرٍ في تحقيق التناغم والتوافق بين طه حسين وقرَّائه، من خلال ربط مقاله بجوانب من خبرته تشابه إلى حَدٍّ كبير خبرة الوجهة والمستقبل، كما تبين من دراسة مقومات شخصيته ومصادر ثقافته، ومكانه من النظام الاجتماعي، والأدوار التي قام بها من خلاله، والمهام التي ذهب إليها مقاله الصحفي, وذلك إلى محاولة التعرُّفِ على سلوكه في الاتصال بالجماهير، من خلال الصحف التي حررها أو اشترك في تحريرها.
وقد حاولنا في كتابنا السابق "طه حسين وزوال المجتمع التقليدي"1 التعرُّف على اتجاهات الاتصال الصحفي عند طه حسين في إطارٍ من تحديد مقوماته الاتصالية، وأثرها في طريقة التفكير, والرؤية الخاصة المتميزة للحياة في مقال طه حسين، وما ترتكز عليه من رؤية عملية وظيفية للفن الصحفي تمثَّلت في نموذج اتصالي، حاولنا تصوره من خلال استقراء مقالاته، وتحديد مكان قادة الفكر في هذا النموذج.
وفي هذا الكتاب السابق أيضًا دراسةٌ لمضمون المقال الصحفي واتجاهات هذا المضمون، فبحثنا في فصوله الأربعة: الموضوعات والعوامل والمتغيرات التي ترتبط بهذا المضمون، والوظائف التي ذهب إلى أدائها في المقال الصحفي، من خلال دراسة المقال في الاتجاه السياسي، ثم في الاتجاه الاجتماعي، والاتجاه الثقافي، ودوره في زوال المجتمع التقليدي.
وفي دراستنا لأساليب التحرير في مقال طه حسين في هذا الكتاب الجديد، حاولنا أن نقوم باستقراءٍ علميٍّ للآثار المقالية في صحافته، للتعرُّف على نواحيها الفنية، التي لا تنفصل بحالٍ عن المضمون، بوصفها مجهودات متتابعة تعالج الحياة الواقعية في فنون المقال وإنتاجه، ولذلك اتجهنا إلى دراسة عناصر الأصالة ومظاهر التجديد للتعرُّف على صياغة تجربته الاتصالية المستمرة في مراحل تطوره الصحفي، فعرضنا لتنوع فنونه المقالية، التي أسفر عنها الاستقراء في هذه الدراسة، وهي: فن المقال التنويري، والمقال النقدي، والعمود الثقافي المتخصص، والعمود الصحفي، والمقال القصصي، والمقال الوصفي، والتقرير الصحفي، والمقال الرمزي، وفن اليوميات الصحفية، ثم فنون المقال المرتبطة بالصحيفة اليومية، كذلك من خلال الرؤيا الوظيفية في تحرير المقال الرئيسي والافتتاحي، وفن المقال النزالي، وفن المقال الكاريكاتيري، ثم فن المقال التحليلي والتقويم الصحفي.