عن أشهر الرجال المائة الذين كانوا على قيد الحياة، وقت إصدار الكتاب -عَدَّه بين العشرة الذي لهم أعمق الأثر في الحضارة العربية1.

إن ذلك الطريق الطويل الشاق حسبما جاء في تاريخ حياته الذي وضعه عند "ليدر باسكي"2 الذي قاد الشاب الأزهري إلى هضم أعظم الثقافات الكلاسيكية والأوروبية، على النحو الذي تحدَّث عنه طه حسين في أيامه, إنما يلخص سيرة "المقال الصحفي" في أدبه، والذي كان موضع التجربة في هذا التطور. فسرعان ما تخلَّى عن الأساليب التقليدية في الصحافة المصرية، وسرعان ما ظهرت أسس الفن الصحفي الحديث، في اتجاهها بالمقال من تحويل الفكر الأكاديمي المجرَّد إلى عرض فني منسق يستسيغه الجمهور دون أن يهبط إلى مستوى الإسفاف والمبالغة، مواجهًا بمقاله المعادلة الصعبة أو التحدي العظيم الذي يواجه الفن الصحفي الحديث3 من خلال ارتباطه بالجماهير، وتمثُّله للوظائف الصحفية الاجتماعية، إلى جانب تمثُّله في لغته القومية تلك الأناقة والوضوح والشفافية التي امتازت بها لغة الفن الصحفي في فرنسا، والتي يسمِّيَها بعض المستشرقين "لغته الثانية"4 أي: اللغة الفرنسية التي أتقنها كل الإتقان "كأستاذ فيها دون مساس بروح اللغة العربية، ودون أن يعرض نفسه لتهمة الخروج عن قواعدها, أو بث العجمة والكلمات الأجنبية في مفرداتها"5, ذلك أن الرؤية العملية للغة العربية، هي التي جعلت لغته الصحفية تبتعد عن الحذلقة والخشونة، لتنساب في يسر وبساطة، وفي عبارات وظيفية، لا تتعارض مع ما في نثره الفني من ثروة وتنوع، مكتفيًا بالأثر الذي يشع عن الفكرة العملية، وما تتضمنه من إرادة في إحداث التغيير والتدعيم في المجتمع، لتحقيق التواصل بين التجديد والأصالة، من خلال أدبه وصحافته على السواء.

ذلك أن مقالات طه حسين، ومؤلفاته الشاملة، أو التي ضمَّت جانبًا من هذه المقالات، تنبع دائمًا من فكرة محاولة التأثير في مجتمعه، لنقله من حالة التخلق إلى حالة التقدم، ومن حالة الذل والاستكانة والخمول والجهل والاستبداد والظلم الاجتماعي والجمود, إلى حالة العزة والكرامة والنباهة والعلم، والمساواة والحرية الاجتماعية والازدهار الاقتصادي6، من خلال مواقف عملية واضحة ترتبط أوثق الارتباط بالحياة الواقعية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015