والوضوح والإشراق، المتوسِّلُ بالاتصال الصحفي1.
على أن هذا الأدب الصحفي يرتبط بالمعركة الفاصلة بين القديم والجديد في اللغة والأدب وأدوات التعبير، وتنقل المحاربين في هذه المعركة في "ميادين مختلفة"2. ذلك أن هذه المعركة تناولت أساليب التحرير والألفاظ العلمية وغير العلمية، كما مسَّت في رفقٍ صوَرَ الأدب وفنون التحرير الجديدة في الصحف وما يَصِحُّ أن تكون عليه, وإلى يومئذ كانت الغلبة لأنصار تقليد الأدب القديم، وكان السجع والإغراب في اختيار الألفاظ بعض ما يمتاز به كُتَّاب العصر"3. ولكن الكثيرين من جيل طه حسين من الذين أتموا دراستهم في أوربا فُتِنُوا بالأدب الغربي والأساليب الصحفية الغربية، وما بلغت من تَقَدُّمٍ في الاتصال بالجماهير، واتَّجَهَتْ عقولهم اتجاهًا جديدًا يعتمد على "الطرائق العلمية الحديثة"4. وعادوا فدخلوا الميدان بقوة ونشاط لم تر مصر مثلها من زمنٍ غير قليل، إلّا من "أفراد قلائل موهوبين كان لهم أثرهم في توجيه التفكير المصري, وفي مقدمتهم المرحومان الشيخ محمد عبده وقاسم أمين"5.
وقد أثمرت هذه المعركة بين القديم والجديد، نثرًا عربيًّا خالصًا لم يفن في الغرب الأوربي, ولم يفن في أدب الجاهلين والإسلاميين والعباسيين, وإنما صوَّرَ شخصية مصرية ممتازة من هذين التيارين, ثم أذاع هذه الشخصية فيما وراء حدود مصر من أقطار العالم العربي, وكان قوام هذه الشخصية الثورة على الفناء في القديم من جهة الشباب, والإغراق في المحافظة على هذا القديم من جهة الشيوخ. وكان المقاليون التجديديون في الصحافة المصرية يقومون مقامًا "وسطًا بين الغُلُوِّ في التجديد, وبين الغُلُوِّ في المحافظة؛ يستمسكون باللغة العربية الفصحى لا ينحرفون عنها ولا يكتفون بها, ولكنهم يرون هذه اللغة ملكًا لهم, ولا يرون أنفسهم ملكًا لها, يطوّعونها لما يريدون من أغراض الحياة التي يحياها الناس, والتي لم يعرفها القدماء, ولكنهم لا يُفْسِدُون أصولها ولا يخرجون على قواعدها، يستبيحون لأنفسهم أن يثوروا على المعجمات القديمة التي وقفت باللغة العربية عند القرن الثاني للهجرة, ويبتكرون ما يحتاجون إليه من الألفاظ، لا يجدون بذلك بأسًا, ولا يتحَرَّجون من أن هذه الألفاظ ليست مسجَلّةً في هذا المعجم القديم أو ذاك, فمن حقهم أن يُسَخِّرُوا اللغة لأغراضهم لا أن يسخروا أنفسهم للغة, ومن الحقِّ عليهم إذن أن يغنوها ويضيفوا إليها من جديد الألفاظ ما لم يكن فيها"6.
ثم يثورون كذلك على أساليب القدماء في التعبير النثري الذي يَمَسُّ المقال