يذهب إلى أنَّ الخصومة السياسية قد دفعت صحف الأحزاب المختصمة إلى التنافس "فأفتنَّت فيما جعلت تنشر من الفصول"1 أو المقالات، فاستعرض الكُتَّاب الأدب القديم يحيونه بالنقد والتحليل، كما استعرضوا الآداب الأوربية الحديثة يذيعونها ناقدين ومحللين ومترجمين، وإذا هم بعد هذا كله "يرقون إلى إنشاء الدراسات التي تطول حتى تصبح كتبًا تستَقِلُّ بنفسها، وتَقْصُر حتَّى تصبح "فصولًا" تنشر في الصحف والمجلات، ثم يجمع بعضها إلى بعض"2, وفي ذلك ما يُبَيِّنُ مفهوم المقال عند طه حسين، وهو مفهومٌ تُسْتَفَاُد من ثقافته الفرنسية التي تنظر إلى المقال على أنه "أدب أفكار"3 يثير لدى القارئ غير الواعي الحاجة إلى التفسير والتوضيح4. ولعلَّ في ذلك ما يفسِّر إيثار طه حسين لكلمة "فصل" في الدلالة على مفهوم "المقال", فمن النادر أن نجد كلمة "المقال" في معجم مفرداته، بل إن المقالات الصحفية السياسية في الصحف اليومية، كان يشير في استهلالها إلى أنه يكتب "فصلًا" حول هذا الموضوع أو ذاك. فالصحف اليومية -كما يقول: قد أخذت "تنشر الفصول الأدبية تقلِّدُ في ذلك صحفًا أوروبية، ولكنها تخدع الناس وتستدرجهم إلى قراءة ما تكتب في السياسة، وما هي إلّا أن أصبحت الكتابة في العلم والأدب نظامًا تحرص عليه كل صحيفة تُقَدِّرُ لنفسها كرامة صحفية، وتريد أن يحفل بها الجمهور, وأصبح الجمهور نفسه لا يُقَدِّرُ الصحف إلّا إذا قدَّمت له مع الفصول السياسية فصولًا في العلم والفلسفة والأدب والفن"5.
وتأسيسًا على هذا الفهم, فإن "الفصول الصحفية" أو المقالات الصحفية فنٌّ حضاريٌّ يقوم على وظيفة اجتماعية عملية، ويتوسَّل بلغةٍ صحفية عملية تقترب من لغة الأدب, وتمتاز بالسلاسة والواقعية والتبسيط، فالمقال الصحفيّ عند طه حسين يمثِّلُ التَّقَارُب المنشود بين مستويات اللغة: العلمي والأدبي والعملي، وهذا التقارب في نهاية الأمر دليلٌ على "تجانس المجتمع، وتوازن طبقاته، وحيوية ثقافته، ومن ثَمَّ إلى تكامله وسلامته العقلية، فمِنْ الثابت أن العصور التي يسود فيها نوع من التآلف بين هذه المستويات، هي غالبًا أزهى العصور وأرقاها"6.