وتمتاز بيئة المقال الصحفي في مصر -عند طه حسين- بأنَّ ولاء الكاتب فيها يرتبط "بالبيئة المتحضرة التي يعيش فيها الكاتب للجمهور وبالجمهور"1. وتبين هذه الميزة في بيئة المقال الصحفي في مصر إذا نظرنا إلى المنفلوطي والرافعي من جهة, والمازني وهيكل والعقاد وطه حسين من جهة أخرى, فقد كان المنفلوطي لا يعيش لأدبه وإنما يعيش بأدبه2, ولا بد له من "مسين" كما يقول الأوربيون، يحميه ويعطيه ويحوطه بالرعاية والعناية, ويدفع عنه العاديات والخطوب. أما الأربعة الآخرون فثائرون على هذا النوع من الحياة والأدب, يكبرون أنفسهم أن يحميهم هذا العظيم أو ذاك, يعيشون أولاً ويعيشون أحرارًا, وهم يأبون أن يؤدوا عن إنتاجهم حسابًا لهذا العظيم أو ذاك3, وقد فتحت هذه الحرية أمام مقال طه حسين وزملائه من المقاليين التجديديين أبوابًا "لم تكن تُفْتَحُ لهم حين كان الأدب خاضعًا للسادة والعظماء"4 فهم "يؤثرون أنفسهم ويؤثرون الفن ويؤثرون الشعب بما ينتجون"5, وكذلك عكف طه حسين في بيئة المقال الصحفي على "الشعب، فجعل يدرسه ويتعمَّق درسه, ويعرض نتائج هذا الدرس على الشعب نفسه فيما ينتج له من الآثار"6 المقالية، ومن ثمار هذه الدراسة جاءت بلاغة المقال الصحفي الجديدة لتجعل من لغته لغة "المغزى والمعنى والأهمية؛ لأنها تقوم على الوظيفية الهادفة، والوضوح والإشراق، بحيث تكاد تكون فنًّا تطبيقيًّا قائمًا بذاته. فالفنُّ الصحفي تعبير اجتماعي شامل، ولغته ظاهرة مركبة خاضعة لكل مظاهر النشاط الثقافي من علمٍ وفنٍّ وموسيقى وفنٍّ تشكيلي ... إلخ إلى جانب السياسة والتجارة والاقتصاد والموضوعات العامة7.
وعلى ذلك, فإن التمييز بين أنواع المقال إلى علمي وأدبي وصحفي، على النحو المألوف، لم يَعُدْ مجديًا أمام ضرورة الوسيلة الجماهيرية في بيئة المقال الصحفي في مصر، وذلك أن المقال الصحفي عند طه حسين يدور في اتجاهات ثقافية واجتماعية وسياسية، ويصوغها في قالب صحفي تتوفر له الحالية والحيوية والاستجابة لاهتمامات الجمهور، واللغة الوظيفية العملية القريبة من قرائه.
ونخلص من ذلك إلى أن المقال الصحفي في أدب طه حسين يلائم بيئة هذا الفن الصحفي في مصر سياسيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا، ملاءمته لفن المقال نفسه.