صريحًا، ولا يستبقي من هذه القواعد إلّا ما يثبت لهذا النقد, فما يثبت له يجب أن يبقى، وما لم يثبت له يجب العدول عنه في حرية وصراحة وفي غير تحفظ ولا احتياط1.
ويتمثَّل طه حسين هذا المفهوم المقالي في تحرير العقل مما فرضته القواعد التقليدية، بحيث يمكنه أن يفكر "تفكيرًا صحيحًا مستقيمًا منتجًا"2, ويستتبع ذلك عند طه حسين، أن يتحرَّرَ العقل في التفكير دون أن يتعرَّضَ لخطر ما، ودون أن يتعرَّضَ للرقابة، ودون أن يتعرَّضَ للمحاكمة من حيث أنه قد فكَّرَ وأعلن رأيه3.
على أن اتفاق طه حسين مع مقاليي عصر النهضة الأوربية، لم يصل به إلى تحديد حريّة العقل أمام العقل فحسب، وإنما ذهب إلى تحديد ماهية المقال أمام وسيلة الاتصال الجديدة بالجماهير، على النحو المستفاد من بيئته الصحفية العامة، فالصحافة هي الوعاء المادي للمقال بفنونه المختلفة، وهي لذلك تنتهي إلى وضع خطوط واضحة تفصل بين فنِّ المقال الأدبي وفنِّ المقال الصحفي، فانشعب المقال في بيئته المصرية كما انشعب في بيئته الأوربية شعبتين4: شعبة يغلب عليها الطابع الذاتي ويمثِّلُها مونتاني في البيئة الأوروبية, وشعبة أخرى تهتم بالموضوع من نواحيه المختلفة.
ولم تلبث صحافة طه حسين أن انتقلت من طَوْرِ التكوين إلى طَوْرِ المشاركة العامة, فتلَقَّفَ فنَّ المقال الأدبي واستمثره كقالب جديد يصوغ فيه الأفكار، ويتَّخِذُ منه سلاحًا ماضيًا للنقد والتعقيب، وأداة فعَّالة للتوجيه والإرشاد، وقد يقصد بها إلى الإخبار والإعلام كذلك, أما المقال الصحفي فقد تنوعت موضوعاته وأشكاله عند طه حسين، يشتق موضوعاته من الحياة الواقعية، ويشتق لغته كذلك من نفس تلك الحياة الواقعية، التي يتوسَّلُ بها في الاتصال بجمهور القارئتين على اختلاف أذواقهم أو أفهامهم أو بيئاتهم أو ثقافاتهم5.
ويذهب طه حسين في هذا الصدد إلى أن الخصومات السياسية قد يسَّرَت اللغة، ومنحت العقول حِدَّةً ونفاذًا رائعين، واستطاعت أن تشغل الجماهير وتعلمهم العناية بالأمور العامة, والاهتمام بها والتفكير المتصل فيها6، كما