أبرز كُتَّاب مصر في عهود متتابعة منذ أسهم في بيئة التكوين إلى أن ختم حياته صحفيًّا يكتب "من بعيد".
فمكان طه حسين ككاتب مقالي في البيئة الصحفية المصرية، يحدِّدُ الجانب الشامل في إنتاجه المتعدد النواحي، والوسائل كذلك، ذلك أن الصُّحف السياسية والثقافية هي وسيلة الاتصال الجماهيرية التي أذاعت مقالاته في الاتجاهات السياسية والاجتماعية والثقافية. والمقال الصحفي هو الشكل التحريري الذي نقل هذه الاتجاهات من خلال وسيلة الاتصال الصحفي بالجماهير, وكانت هذه الوسيلة الجماهرية مثيرة النقاش ووعاء الجدل في السياسة والثقافة والفكر.
ويحدِّدُ هذا المكان من بيئة المقال الصحفي في مصر مفهوم هذا المقال على النحو الذي أَدَّتْ إليه المؤثرات الثقافية الغربية في الحياة المصرية، ذلك أن لفظ مقال صلى الله عليه وسلمssay يدل في الأصل على "المحاولة" أو "الخبرة" أو"التطبيق المبدئي" أو"التجربة الأولية"1, وفي هذا المفهوم مشابهات من حيث البيئة التي بلورته على هذا النحو، والبيئة المصرية التي عُرِفَ فيها المفهوم الصحيح لهذه الكلمة، فالمقال وليد روح التجربة في عصر النهضة, والعناية بالخبرة الإنسانية، والاهتمام برأي الفرد، والإيمان بقدرته2. وفي الأدب الفرنسي نجد مفهومًا يقترب من هذا المفهوم لكلمة صلى الله عليه وسلمssai, يذهب إلى أنها عمل نثريٌّ وغير سرديّ يعبر عن أفكار ذات طابع غير تكنيكي؛ فالمقال حديث يوشك أن يكون عاديًّا، يعرض الكاتب فيه على قرَّائه فكرة أو اتجاهًا3.
وليس مجرد صدفة أن يكون أول من يكتب في هذا الفن اثنان من أئمة عصر النهضة هما: مونتاني وبيكون4, عندما تظهر الثورة على الفلسفة القديمة, وعلى فلسفة أرسطو, وعلى النظام العقلي، كما تركه اليونان والرومان والعرب، وهي تظهر عند بيكون الذي يستعرض حياة العقل ويستعرض الفلسفة, ويريد أن يحرِّرَ العقل أمام نفسه، كما يقول طه حسين5، ومن ذلك يبين أن فنَّ المقال مرتبط باتجاهٍ قويٍّ إلى التعقيل، بحيث لا يتأثر العقل بهذه القواعد التقليدية, وإنما يأخذ هذه القواعد واحدة واحدة فينقدها نقدًا حرًّا