ذلك أن الدكتور طه حسين، قد اتخذ من الفن الصحفي وسيلة للاتصال بالجماهير في تحقيق التقارب، والتواصل، القائم على أن "الفكرة" في دلالتها الاجتماعية، و"الكلمة" في صيغتها العملية، من أقدم الوسائل لتحقيق ما ينشد، والفكرة والكلمة لهما القوة الساحرة التي تستطيع أن تتغلب على رواسب الفوارق والعنصريات بين الأمم في سبيل تحقيق المثُل العليا من وحدة الشعور ووحدة الفكر، ووحدة القيم، لتعزيز الأخوة الإنسانية بأعمق دلالاتها، وأكرم معانيها1.
ولقد كان طه حسين أحد الطلائع الذين استوت على أيديهم معالم النهضة المصرية الحاضرة، فقوموها على ذلك النهج الواضح من الفكر والثقافة العصرية، وسبروا أعماق الشخصية المصرية وتمثَّلُوها حتى استقامت على نهجها الواضح ومعالمها الأصيلة, فكانت مراحل حياته المختلفة كما كانت جهوده الصحفية، مظهرًا لإيمانه بهذه المثل، ومصداقًا لعمله على التعبير عنها في الوصول بمصر إلى الغد المشرق، وفي تعزيز صلاتها بالفكر الإنساني على تعدد آفاقه، وفي مقاومة العزلة، بجميع ألوانها، متمثِّلًا في ذلك كله تراثها التاريخي وطابعها العقلي وقيمها الفكرية، ومقوماتها الأصيلة، التي كانت في مجرى الحضارة الإنسانية الموصول عاملًا فعَّالًا لا يجحد أثره الدارسون.
فيمثل مقاله الصحفي هذه الرؤيا في الميدان الفكري والميدان العملي على السواء، لا يفصل بين الفكرة والفعل، وإنما ترتبط رؤياه الذهنية برؤياه الاجتماعية الفاعلة لإحداث التغيير الأساسي في المجتمع المصري ودعم قيمه الإيجابية، كما قلنا من قبل.
ولعلَّ في ذلك ما حَدَا بكثيرٍ من المستشرقين، إلى توكيد الارتباط بين الجوانب المختلفة في كتابات طه حسين ونبوغه الفني2 -في كتاباته الثقافية والسياسية والأدبية على السواء3، ذلك أن فن المقال الصحفي هو الذي استنفذ هذه الكتابات, وأعطى شكلًا ومادة لأشهر مؤلفاته التي كانت محلَّ نقاش الكثيرين، والتي كانت سببًا في ذيوع شهرته داخل مصر والعالم العربي وخارجهما. وعندما أذاعت الأكاديمية الإيطالية وأكاديمية الآداب الرفيعة بباريس عضويته فيهما، كان ذلك اعترافًا دوليًّا بفضل طه حسين الذي شاء له القدر أن يبدأ حياته بظرفه البصري الخاص -بذلك التعليم التقليدي وبذلك التكوين الأزهري4, وأن لا يستجيب المصريون لصيحته فحسب، وإنا تستجيب له أوروبا وأمريكا، حتى أن الكاتب"دونالد رونسن" في مؤلفه