ودراستنا هذه تتوسَّل بالمنهج العلمي في دراسة الاتصال بالجماهير، الذي يتوسل بالمناهج الكيفية والكمية على السواء، كما يتوسَّل بالدراسة التاريخية في تعيين الآراء والاتجاهات المختلفة في مكانها من عصرها، وتبيان قيمتها في عصرنا، في الوقت الذي يغدو الاستقراء العلمي فيه سبيل كسب المعرفة الجديدة عن طريق الانتقال من معلوم إلى مجهول، ولذلك ذهبت هذه الدراسة إلى رفض التضاد الذي يفصل بين الدراسات "الكيفية" أو "الكمية", وأفادت من مزايا هذين الأسلوبين قدر المستطاع، ذلك أن البيانات الإحصائية ليست إلّا نقطة البداية التي تيسّر دراسة الاتصال بالجماهير في ضوء الفوارق الكيفية، انطلاقًا من المرحلة الأولى في وصف المقال وصفًا موضوعيًّا ومنتظمًا من خلال الرموز المستخدمة في عملية الاتصال.

ونخلص مما تَقَدَّمَ إلى أن المقال الصحفي في أدب طه حسين، كان في عاقبة الأمر هو محور دراسة اتصاله بالجماهير، بجلاء مصادره وأصوله، وتعيين مكانته، واستقراء الحديث من الاتجاهات التي سرت إليه، أو التي يُعْتَدُّ بها فيه, ومن أجل ذلك لم نورد النصوص المقالية إلّا للاستشهاد بها على مضمون المقال أو اتجاهاته أو فنونه، انتقالًا منها كجزئيات إلى حكم عام لا يدعي اليقين، وإن حاول الاقتراب منه، لما ينشده من تعليل إعلامي قائم على العلم.

والحق أن الأمة العربية تشهد في نهضتها الحاضرة، ازدهارًا للدراسات الإعلامية، يقوم على أساس من وحدة فنون الإعلام والربط بين وسائله جميعًا، تتلاقى في أصولها وفروعها، على النحو الذي تطورت إليه الدراسات الأكاديمية في مصر, وبلغت مداها الآنيّ بتحقيق هذه الوحدة الإعلامية، في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، ويعود الفضل إلى عميدها الأسبق الدكتور إبراهيم إمام، في تحديد النظرية الإعلامية المصرية، التي تذهب إلى أن الفن الصحفي هو الفن الإعلامي الكلاسيكي الذي تعلَّمَت منه سائر الفنون الإعلامية الأخرى كالإذاعة والتليفزيون والسينما1، واشتقت منه سائر فنون الإعلام أشكالها وفنونها وأساليبها وطرائقها2.

وفي هذا البحث حاولنا -ما وسعنا- أن نتعرَّفَ على الأسس الجوهرية والتيارات الفكرية العامة والنواحي الفنية الهامة التي أسفر عنها الفن الصحفي فيما يخص المقال الصحفي في أدب الدكتور طه حسين، في تلاقيه مع أهداف الفن الصحفي أو افتراقه عنها، من حيث تحريره، وغايته في الارتباط بالجماهير, فضلًا عن عمومية وسيلة الاتصال الصحفي ودوريتها، والرؤية الوظيفية التي تدفع الفن المقالي وتحدد شكله ومضمونه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015