في حين يتشبه أقرانه على الأكثر بالأستاذ الإمام كالشيخ رشيد رضا؛ ومصطفى المراغي، وطنطاوي جوهري، وعبد الحميد الزهراوي ومحمد الخضري؛ ومحمد المهدي والنجار وغيرهم1. وفي ذلك ما يفسر إعجاب طه حسين بعنف الشيخ جاويش في السياسة والأزهر وشيوخه, وكان "يُحَبِّبُ العنف إلى الفتى ويرغِّبُه فيه, ويزيّن في قلبه الجهر بخصومة الشيوخ, والنعي عليهم في غير تَحَفُّظٍ ولا احتياط، فهو كان يرى أنهم آفة هذا الوطن يحولون بينه وبين التقدُّم، بما كانوا يلجون فيه من المحافظة، ويعينون عليه الظالمين بممالأتهم للخديوي، ومصانعتهم للإنجليز"2. وقد وجد هذا العنف من نفس طه حسين قبولًا واستجابة، فلم يكد يأخذ في الكتابة "حتى عُرِفَ بطول اللسان والإقدام على ألوانٍ من النقد، قَلَّمَا كان الشباب يقدمون عليها في تلك الأيام, ولكنه كان نقدًا محافظًا غاليًا في المحافظة، إلّا أن يعرض لشئون الأزهر، فهنالك كان يخرج حتى عن طَوْرِ الاعتدال ويغْلُو في العبث بالشيوخ, ويجد التشجيع على ذلك كل التشجيع من الشيخ عبد العزيز جاويش, وربما وجد منه إغراء بذلك وحثًّا عليه"3.
ومن ذلك يَبِينُ أن طه حسين كان موزَّعًا بين مذهبين من مذاهب الكتابة كما كان موزَّعًا بين هذين الحزبين الوطنيين في ذلك الوقت: "أحدهما: مذهب الاعتدال والقصد، ذلك الذي كان الأستاذ لطفي السيد يدعوه إليه ويزينه في قلبه, والآخر: مذهب الغُلُوِّ والإسراف، ذلك الذي كان الشيخ عبد العزيز جاويش يغريه به ويحرِّضه عليه تحريضًا, وكان الفتى يستجيب للمذهبين جميعًا. فإذا اقتصد في النقد نشر في الجريدة، وإذا غلا نشر في صحف الحزب الوطني"4.
ومن ذلك يبين أثر هذين المذهبين في بيئة التكوين الصحفي لمقال طه حسين، فإذا كان لطفي السيد تلميذ الأستاذ الإمام في القصد والاعتدال والعلم والتثقيف، وهو مذهب يرجع إلى تاريخ "الإقدام" في حياة الإمام؛ لأن نظرته إلى الغرض القريب لم تعجله عن النظر الطويل إلى الغرض البعيد الدائم وراء جميع الأغراض"5, فإن هذا الأثر يبين من اهتمام مقال طه حسين من بعد، بنشر المعرفة و"تعقيل" الحياة المصرية، والاهتمام بالتربية والتعليم، كما كان لقاؤه بالشيخ جاويش -المتشبه بجمال الدين- من الحوادث الهامة في تربية الصحفي الناشئ، وشحذ مواهبه في النزال على