الأمر الذي يشير إلى أن طه حسين في بيئة التكوين الصحفي كان موزَّعًا بين اتجاهين:
الأول: اتجاه فكري تقوده مدرسة الجريدة.
الثاني: اتجاه سياسي تقوده صحف الحزب الوطني في سبيل "الجلاء التام والاستقلال الكامل"؛ فالاتجاه الفكري عند مدرسة الجريدة أقرب لعقل طه حسين، وخاصَّةً بعد خروجه من الأزهر والتحاقه بالجامعة, وكان لطفي السيد يدعو إلى "التعقيل", وفي ذلك ما جذب إليه الشباب من جيل طه حسين كمحمد حسين هيكل وعباس العقاد وغيرهم من الذين كانوا أقرب إلى الإيمان "بالعقل" منه إلى الإيمان "بالشعور", فكانوا -كما يقول العقاد1- يقرأون مقالات اللواء فيحمدون له غيرته, ويعجبون بصدقه في جهاده، ولكنهم وجدوا أنفسهم أمام منهج من الكتابة والقول غير المنهج الذي يتلقون منه رسالة الفكر والعاطفة, وتستجيب إليه بديهتهم المتطلِّعة إلى الوعي والمعرفة، فإن ذلك الأسلوب "الخطابي الشعوري" الذي كان له أبلغ الأثر في جمهور صحف الحزب الوطني2, لم يكن هو الأسلوب المختار الذي عهده روَّاد التجديد فيما اطَّلَعوا عليه من كلام مقروءٍ أو كلام مسموع.
وعلى ذلك, فإن اتجاه طه حسين نحو الجريدة اتجاه فكري يتمثَّل دعوتها إلى التجديد والتعقيل, ويتخذ من معلمها لطفي السيد أستاذًا، يتنبأ لتلميذه بأن "سيكون موضعه من مصر موضع فولتير من فرنسا"3 الأمر الذي جعله يتطلَّع بعد تخرجه في الجامعة إلى فرنسا خاصة4, وأخذ في تعلُّم الفرنسية، وأخذت مناهج التفكير الأوربي بلُبِّه، ولذلك وجد مع أبناء المدرسة التجديدية من جيله في "الجريدة" مَحَطَّ آمالهم، سيما أن هذه الجريدة قد خرجت على "أعقل طراز بين الصحف الأوربية وبخاصة صحافة فرنسا التي كان معظم المتعلمين من رؤساء الحزب يتثقفون بثقافتها ويفضلون صحفها على صحف إنجلترا" دولة الاحتلال5، ويذكر العقاد6 أن رجال الحزب اختلفوا زمنًا على اختيار إحدى الصحيفتين الكبيرتين في باريس مثالًا لصحيفة الحزب اليومية، وهما "الطان" و"الجورنال", أما "الطان" فكان المرجح لها عند العارفين بالشئون الصحفية أن ترجمة اسمها "الزمان" تجعلها أصلح للنداء عليها في اللغة العربية. ولكن "الطان" صحيفة شبيهة بالرسمية, وعلى صلة