الإمام، والذي ذكره بكل إجلال في الجزء الثاني من الأيام وحده تسع عشرة مرة لم يرد اسمه في أيها مجردًا، كما كانت روح الإعجاب تشيع في كل إشاراته عنه في تلك المرحلة المبكرة وما بعدها, وكانت الأسباب النفسية قد تقطَّعت بين طه حسين وبين الأزهر حين استيأس من الأساتذة وساء ظنه بالشيوخ1, وأحسَّ أن الذين بكوا الشيخ صادقين، لم يكونوا من أصحاب العمائم, وإنما كانوا من أصحاب الطرابيش، فوجد في نفسه ميلًا إلى أن يقترب من أصحاب الطرابيش هؤلاء2, وهم الذين نسب إليهم أنهم من أتباع الشيخ محمد عبده، كما قال عنهم كرومر وغيره3، وإن كنا لا ننكر تأثير الأستاذ الإمام فإننا لا نبالغ فيه، وغاية ما نذهب إليه أن أفكار الأستاذ الإمام السياسية والإصلاحية قد وجدت صداها في نفوسهم، ذلك أنه كان رائد حركة الإصلاح الاجتماعي والديني4 بل والتفكير السياسي. وكان الإمام يميل إلى الاعتدال فوافق مشربه مشربهم، وخاصة حين نزع عن نفسه رداء السياسة إلى العلم والتثقيف وجعلهما وسيلة إلى تحقيق الغرض السياسي في النهاية5؛ فمهَّدَ بذلك للوطنية المعتدلة, والتفَّ حوله كثير من الوطنيين المعتدلين, واتفقت آراؤه مع آرائهم في أن الإصلاح الحقيقي الداخلي هو وسيلة الجلاء6, ولا ضير في الاستعانة بالإنجليز في ذلك7.
وفي ذلك ما يفسِّر اقتراب طه حسين من رجال "حزب الأمام" كما يسميه بعض الباحثين8، إلى جانب ارتباطه بلطفي السيد والمدرسة الفكرية التي رادها, فلم يرتبط طه حسين إذن ارتباطًا سياسيًّا بالكيان الحزبي ومصالحه، ذلك أن طه حسين كما يقول -كان فقيرًا متوسط الحال في أسرته، فأتاح له هذا الاتصال بحزب الأمة أن يفكر في الفروق الحائلة بين الأغنياء والبائسين9, وكانت بيئة الجريدة أنسب البيئات الصحفية لذهنه المتفتح، الذي يضيق ببيئة العلماء في الأزهر10.
وفي بيئة الجريدة تَعَرَّفَ إلى كثيرين من الذين كانوا يلُمُّون بلطفي السيد من الشيوخ والشباب، واتصل برفاق له "أحباء عمل معهم فيما بعد, ولقي معهم خطوبًا أي خطوب، عرف عنده هيكل ومحمود عزمي والسيد كامل, وكامل