واستقصاء أدبه وفلسفته وتَقَدَّمَ برسالته عنه إلى الجامعة يبتغي بها درجة الدكتوراه1. يقول: "ولست أنسى يومًا لقيته فيه بعد أن فرغ من قراءة هذه الرسالة, فإذا هو يأخذني بين ذراعيه ويقبِّلُني قائلًا: ستكون إن اجتهدت أبًا لعلائنا"2.
وقد استمرّت هذه الصلة الوثقى بين الأستاذ وتلميذه بعد سفر طه حسين إلى أوربا، فاتصلت الرسائل بينهما, ولم يقدِّمُ رسالته عن "ابن خلدون" إلى السوربون إلّا بعد أن قرأها لطفي السيد وأجازها, وكلَّفَ الجامعة أن تكتب بذلك, وأن تأذن له في تقدير الرسالة كما كانت القاعدة تقضي بذلك في تلك الأيام3.
وكانت رعاية لطفي السيد لطه حسين بعد عودته من أوربا، أستاذًا في الجامعة، كرعايته له تلميذًا4. فلم تتغير السيرة، وإنما ظل "دائمًا أبًا برًّا وصديقًا وفيًّا, وقد استقال من الجامعة حين أخرجت منها في بعض الأزمات السياسية5 ولم يعد إلّا بعد أن عدت أنا إليها6, وتفصح صورة الاستقالة التي رفعها لطفي السيد إلى وزير المعارف7 عن صداقته لتلاميذه من "الشباب الناهض المفكِّر كله"8، وعن إيمانه باستقلال الجامعة في الرأي والفكر والعمل، فإن التعليم الجامعي لا يقوم إلا على الحرية؛ حرية التفكير وحرية النقد، والتربية الجامعية لا تستقيم ما لم يكن قوامها حرية العمل، والابتعاد بالجامعة عن السياسة والتيارات الحكومية معًا9, وهي المبادئ التي ظلَّ طه حسين يدافع عنها ويروّج لها في مقاله الصحفي أمدًا طويلًا، كما سيبين من شواهده، فلطفي السيد كما يقول طه حسين، هو الذي وضع للجامعة المصرية فلسفتها، وصاغ روحها الجامعي، ومثلها العليا10.
وهكذا وجد طه حسين من رعاية معلم الجريدة وتوجيهه ما ظلَّ يذكره طوال حياته، فلطفي السيد هو "المعلم الأول لعصرنا هذا الذي نحن فيه"11 وهو بتعبير طه حسين أيضًا "أستاذ لطه حسين كما أنه، أستاذ للشباب الناهض المفكر كله"12, وهو لهذه المعاني التي تجعل علاقة "الابن من