سيء الحال جدًّا إذا أقام في القاهرة، فأتاح له ذلك أن يفكِّرَ فيما يكون من هذه الفروق الحائلة بين الأغنياء والفقراء البائسين1.
على أن أحاديث لطفي السيد وزائريه كانت تفتح أمام طه حسين في مرحلة التكوين آفاقًا جديدة من العلم والمعرفة، كما يقول2، فضلًا عن أن لطفي السيد هو الذي أغراه بتعلُّمِ اللغة الفرنسية، ثم الالتحاق بالجامعة المصرية والاختلاف إلى ما يُلْقَى فيها من الدروس والمحاضرات, فلطفي السيد إذن، هو ثاني اثنين -كما يقول طه حسين- فَتَحَا له من أبواب المعرفة ما لم يكن يخطر له على بال، أحدهما 3 كان يحدِّثُه في الأزهر عن الأدب العربي القديم, والثاني كان يحدِّثُه ويحدِّثُ كثيرين غيره من طلاب المدارس العليا عن الحياة الأوربية الحديثة وما فيها من فنون المعرفة4 يقول: "وإذا أنا أنصرف عن دروس الأزهر إلى حديث هذين الأستاذين الكريمين, ثم أراني أكتب المقالات قصارًا أحيانًا وطوالًا أحيانًا أخرى, وأعرضها عليه فيُصْلِحُ ما يحتاج منها إلى الإصلاح ويأمر بنشرها, ويشجعني على المضي في الكتابة5.
وإذا كان لطفي السيد معلمًا بطبعه، فقد استمع منه طه حسين مع زملائه إلى دروس في السياسة المصرية والعالمية: "ولأول مرة سمعنا منه ألفاظ الديمقراطية والأرستقراطية, وحكم الفرد, وحكم الجماعة, وحق الأمة في أن تحكم نفسها بنفسها ولنفسها, وآراء أرسططاليس وأفلاطون، مولانا أرسططاليس وسيدنا أفلاطون -كما كان يقول- في أنواع الحكومات على اختلافها, وعن آراء مونتسكيو في كتابه "روح القوانين", وآراء روسو في كتابه "العقد الاجتماعي"6. ذلك إلى ما كان يقرأ في مقالاته من أن "الأمة هي الكل في الكل, ومن أنَّ مقام الأمة فوق كل مقام، ومن أنَّ الحكام ليسوا في حقيقة الأمر إلّا خدامًا للشعب يخدمونه ويأخذون أجرهم منه، فإذا استقاموا ونصحوا الشعب فهم خدَّام أمناء, وإذا جاروا وغَشّوا الشعب فهم خدَّامٌ خونةٌ لا فرق في ذلك بين أمير ووزير وموظَّف مهما يكون مركزه7.
ويذكر طه حسين أنه سمع من لطفي السيد لأول مرَّة قول أبي العلاء: "ظلموا الرعية واستجازوا كيدها وعدوا مصالحها وهم أجراؤها8".
ويصرِّح بأن أستاذه هو الذي حبَّبَ إليه أبا العلاء حتى أخذ في درسه