طه حسين ولطفى السيد

2- طه حسين ولطفي السيد:

من الموافقات في حياة طه حسين أن تكرمه الدولة مع أستاذه لطفي السيد في يوم واحد، ويوجِّه القول في كلمته إلى رئيس الجمهورية بهذا المعنى "وإني يا سيدي الرئيس لأشعر بأنك تكرمني مرتين, تكرمني حين تكرِّم أستاذي أحمد لطفي السيد، وكل تكريم للأستاذ فإنما هو تكريم لتلاميذه أيضًا"1.

ويتبين مما تَقَدَّمَ أن علاقة طه حسين بأستاذه لطفي السيد ترجع إلى أكثر من نصف قرن "قبل وفاة لطفي السيد، حين اتصل به وهو في الثامنة عشرة من عمره، في لقاء يصفه طه حسين بقوله: "لم يكد يلقاني لأول مرة حتى امتلأ قلبي إكبارًا له وإعجابًا به, وتمنيت لو أتيح لي أن ألقاه في كل يوم، وكنت أعتقد بل كنت أثق بأني إنما أتمنَّى شيئًا لا سبيل إليه, وأين يكون طالب في الأزهر لا خطر له من مدير الجريدة, ذاك الذي كان حديث الناس في كل بيئة وفي كل مكان -وهو أحد الناس يقرأون مقالاته الرائعة في الجريدة كل مساء.

"ولكن لم اصدق أذني حين هممت بالانصراف عنه فسمعت صوته العذب يطلب إليَّ أن أعود لزيارته كلما أحببت ذلك, سمعت هذه الدعوة الكريمة فلم أملك نفسي من الابتهاج والغبطة, وأكببت على يده أريد أن أقبِّلُها كما كنا نقبِّلُ أيدي أساتذتنا في الأزهر, ولكنه يمتنع علي, وما أشعر إلا بقبلة يضعها على جبهتي, فأنصرف من عنده وقد ملكني العجب والتيه"2. ثم تتصل هذه الزيارة، ويختلف طه حسين إلى أستاذه في مكتبه أكثر أيام الأسبوع وإذا به قد أصبح له تلميذًا، لا يَلُمُّ به مرة إلا استفاد منه علمًا جديدًا وعلمًا بأشياء لم تكن تخطر له ولا لزملائه من الطلاب الأزهريين. كان يحدثه عن أوربا ويذكر له أسماء لم يسمع بها من قبل أن يلقاه.. يذكر له فولتير وروسو ومونتسكيو"3. ويحدثه عن أثر هؤلاء في بيئاتهم الفرنسية وعمَّا كانوا يكتبون، وعمَّا كان يعرض لهم من الأحداث، وعمَّا كانوا يهيئون لوطنهم من هذه الثورة الفرنسية الكبرى، والتي لم أسمع بها قبل أن ألقاه, ثم فتنت بها أي فتنة بعد أن سمعت عنه بعض حديثها"4.

وفي مكتب مدير الجريدة ظفر طه حسين بشيء طالما تمناه، وهو أن يتصل ببيئة "الطرابيش" بعد أن سئم بيئة العمائم، ولكنه اتصل في بيئة الطرابيش بأرقاها منزلةً وأثراها ثراءً، وكان وهو فقير متوسط الحال في أسرته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015