ملحق رقم "6" لعل "1" " نموذج للثقافة اللغوية في المقال الصحفي"

أرسل الأستاذ الدكتور طه حسين إلى جريدة المقطم هذا الكتاب:

تَفَضَّلَ أديبٌ أمس فلفتني في المقطم إلى أن السياسة قد أنستني النحو, وإلى أني أخطئ حين أدخل أن المصدرية على الفعل المضارع حيق يقع خبرًا لعل, وإنما الصواب فيما قال الكاتب الأديب: أن لا تدخل أن على هذا الفعل, وهو قد قرأ في بعض كتب النحو أنَّ العرب يضعون المضارع خبرًا لعسى, فلا يبخلون عليه أن يحملوا عسى على لعل.

وأنا أشكر للكاتب الأديب ظرفه ولطفه, وأحب أن ألفته إلى أن النحويين أيضًا يقولون: إن العرب تدخل أَنْ على المضارع في خبر لعل حملًا لها على عسى، ومن ذلك أن العرب يحملون كلًّا من هذين الحرفين على صاحبه, والحرف هنا معناه الكلمة, فلعل السياسة أن لا تكون قد أنستني أن عسى فعل لا حرف.

وإذا كان الكاتب الأديب في حاجة إلى نصٍّ نحوي, فإني أرجو أن ينظر فيما كتبه ابن هشام في "المغني" عن لعلَّ, فسيجد ما يرضيه إن شاء الله.

وسيعلم أني ما زلت شيخًا ذاكرًا للنحو ودروسه مهما تكن أشكال السياسة وألوانها, وإذا كان الكاتب الأديب في حاجة إلى شاهد من كلام العرب, أو مما اتفق المتقدمون على أنه كلام العرب, فإني أروي له بيتين يحضرانني الآن كثيرًا, ولكن السياسة التي لم تنسني تصرفني عن هذا البحث الآن, فحسب الكاتب الأديب أن يقرأ هذين البيتين؛ فأما أولهما فقول حسان في رثاء قتلى يوم الرجيع:

لعل هذيلًا أن يروا بمصابه ... مصارع قتلى أو مقام المآتم

وأما الثاني فقول الجميح يعاتب امرأته, وهو من شعراء المفضليات:

فاقني لعلك أن تحظي وتحتلبي ... في سحبل من مسوك الضأن منجوب

إلى أن يقول:

"ولكنها السياسة لم تصرفني عن النحو, وإنما صرفتني عن الجدال فيه".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015