من حق هؤلاء الكُتَّاب ألا يلتفت إليهم الناقدون. وأغرب من هذا كله أن من هؤلاء الكُتَّاب من لا يكاد يقرأ نقدًا لأثر من آثاره حتى يسرع إلى الرد عليه في عنف أي عنف, وفي إسفاف أي إسفاف أحيانًا.

من ذا يعلم الشباب أنَّ الأديب مجاهد, وأن الأدب جهاد, وأن الذين يتصدَّون للجهاد يجب أن يكونوا أشجع من أن يرتاعوا للنقد أو يطمعوا في الثناء.

3

وظاهرة أخرى في أدبنا الذي تنشره الجمهورية, هو هذا التعجُّل, نجدها في هذا التسرع الذي يدفع بعض كُتَّابِنَا الموجودين إلى خطأ لم يكن لهم أن يتورَّطوا فيه؛ لأنهم لو أخذوا أنفسهم ببعض الأناة لبرئوا منه ومن أمثاله. فهذا صديقنا مندور يدفعه التسرُّع إلى أن يزعم في كلمة كتبها إلى أن يقول: إن القصص الحديث إنما نشأ في القرن التاسع عشر.

عفا الله عنك أيها الصديق لقد علمناك قديمًا إلّا تعجل إلى الكتابة, وأن تتروَّى قبل أن تقول, وماذا تصنع بما كتب من القصص, بل من آيات القصص قبل القرن التاسع عشر, بل قبل القرن الثامن عشر. ماذا تصنع بما كتب سرفنتيس, أو ما كتبته مدام دي لا فييت, وما كتب ديدور, وما كتب فولتير لوساج, وما كتب القس بريفو, وما كتب الإنجليز في القرن الثامن عشر. وقد قرأت على أقل تقدير ما كتب فيلدنج وما كتب. فاتق الله واستأن بما تكتب, ذلك أجدر بك وأحرى ألا يعرضك لما تكره, وما أكثر ما تعرِّض الناس لما يكرهون.

طه حسين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015