لهما القوة الساحرة التي تستطيع أن تتغلب على رواسب الفوارق والعنصريات بين الأمم في سبيل تحقيق المثل العليا من وحدة الشعور ووحدة الفكر، ووحدة القيم، لتعزيز الأخوة الإنسانية بأعمق دلالاتها، وأكرم معانيها.
فتمثل اتصاله بالجماهير هذه الرؤيا في الميدان الفكري والميدان العملي على السواء، لا يفصل بين الفكرة والفعل، وإنما ترتبط رؤياه الذهنية برؤياه الاجتماعية الفاعلة لإحداث التغيير الأساسي في المجتمع، ودعم قيمه الإيجابية.
ولعل في ذلك ما حَدَا بكثيرٍ من المستشرقين إلى توكيد الارتباط بين الجوانب المختلفة في كتابات طه حسين ونبوغه الفني1 -في كتاباته الثقافية والسياسية والأدبية على السواء2، ذلك أن الاتصال الصحفي بالجماهير هو الذي استنفد هذه الكتابات, وأعطى شكلًا ومضمونًا لأشهر مؤلفاته التي كانت محل نقاش الكثيرين، والتي كانت سببًا في ذيوع شهرته داخل مصر والعالم العربي وخارجهما, ولعل في ذلك ما يشير إلى هدف الدراسة الاتصالية، في التعرف على طه حسين من وراء صحافته، على النحو الذي يبرز رؤياه الاجتماعية العملية التي تكمن وراء آثاره الفكرية في الاتصال بالجماهير، والتي يقيم من خلالها مشاركة مع مَنْ يتصل بهم, أو على حدِّ تعبيرٍ مستَعَارٍ من الإعلام, فإن "المرسل - طه حسين" يحاول توصيل معلوماته أو مشاهده أو مواقفه التي يحولها إلى كلمات مسموعة أو مكتوبة، وبعد أن ترسل الرسالة يتوقع المرسِلُ أنها قد رسمت في ذهن المتلقي الصورة نفسها التي كانت في ذهنه.
وإذا كانت عملية الاتِّصَال في الأدب تقوم على أساس من الوحدة، فإن طه حسين المرسل -والمضمون والوسيلة والمستقبل والاستجابة، جميعًا حلقات متصلة في سلسلة واحدة، ولقد عنينا في كتابنا عن "طه حسين وزوال المجتمع التقليدي" بدراسة هذه العناصر الاتصالية، ولكننا في هذا الكتاب الجديد نركِّزُ على أهم عناصر هذه الدورة, ونعني عنصر التعبير عن الفكرة الإبداعية وصياغتها في رموز، وهو العنصر الذي يطلق عليه مصطلح "الرسالة" الاتصالية، وإن كنا ننظر إلى هذا العنصر: "الرسالة"، على أنه جزء من الموقف الاتصالي العام بأبعاده النفسية والاجتماعية والثقافية، ذلك أن عملية الاتصال ليست موقفًا ساكنًا أو جامدًا, وإنما هي عملية ديناميكية