من شأنه أن يوصِّلَ إلى الآخرين حياتنا الباطنية، أو أن يوصِّل إلينا حياتهم الباطنية، بما في ذلك أغاني الأمهات لهدهدة أطفالهن، وشتَّى ضروب الرقص الشعبي، وسائر حركات التقليد والمحاكاة.. إلخ.
والعمل الفني الحقيقي.. في نظر تولستوي.. هو ذلك الإنتاج الصادق الذي يمحو كل فاصل بين صاحبه من جهة، وبين الإنسان الذي يوجَّه إليه من جهة أخرى، ثم هو أيضًا ذلك الإنتاج العامر بالعاطفة الذي يكون من شأنه أن يوحِّدَ بين قلوب كل مَنْ يوجه إليهم. والميزة الرئيسية للفن إنما تنحصر على وجه التحديد في قدرته على محو شتى الفواصل بين الناس، لكي يحقق ضربًا من الاتحاد الحقيقي بين الجمهور والفنان.
ويذهب "جيروم ستولنتيز"1 إلى أن عددًا كبيرًا من الفنانين، وربما معظمهم، يهتمون بالقدرة التوصيلية لفنهم. والدليل على ذلك أنهم كانوا يراجعون عملهم، خلال عملية الخلق، ليجعلوه أسهل فهمًا أو أكثر جاذبية للجمهور المنتظر. ففي المجتمع القديم والوسيط، وفي كل مجتمع كان الفن يخدِمُ فيه أغراضًا جماعية، كان الفنان يفترض مقدمًا أهمية التوصيل الناجح إلى الآخرين. وفضلًا عن ذلك فإن الوسيط الذي كان يستخدمه الفنان، أي: "القوالب" من أمثال السوناتا والرواية، وكذلك رمزيته، تستمد عادة من تراث حضاري. ومن هنا فإنا نستطيع استخدامها من أجل إنتاج موضوع "عام" يمكن المشاركة فيه2, غير أن تولستوي لم يفطن إلى الوسائل التي تجعل هذا الاتصال حقيقة، فالاتصال يتم بامتدادات أنفسنا، وهو في كل امتداد يتمثَّل خصائصه، كما أنه لم يفطن إلى أن تأثر الأفراد بالعمل الفني يختلف من فرد إلى آخر, بدليل أننا نجد أفرادًا يتحمَّسون لبعض الأعمال الفنية، في حين يعجز غيرهم عن تمييز ما فيها من عناصر وجدانية أو عاطفية.
وتأسيسًا على هذا الفهم، نحاول في هذا الكتاب تفسير أدب طه حسين من زاوية اتصاله بالجماهير، ذلك أن طه حسين قد اتَّخذ من وسائل الإعلام بعامة، والصحافة بخاصة، وسيلة للاتصال بالجماهير في تحقيق التقارب، والتواصل القائم على أن "الفكرة" في دلالتها الاجتماعية, و"الكلمة" في صيغتها العملية، من أقدم الوسائل لتحقيق ما ننشد، والفكرة والكلمة