"أنظر إليهم وقد اجتمع مجلس الشيوخ أمس، فكان مما نظر فيه أمرًا من الأمور، للدين فيه حكم قاطع ورأي ساطع، ومذهب واضح لا سبيل إلى النزاع فيه، وكان القانون الذي عُرِضَ على مجلس الشيوخ أمس؛ يريد أن ينحرف بعض الشيء عن حكم الدين, ويميل إلى أن يَزْوَّرَّ بعض الشيء عن حجة الصواب، فلما عُرِفَ أمرُ هذا القانون بين علماء الإسلام، قاضوا به، وتنكَّروا له، واجتمعوا أفواجًا يزورون شيخهم الأكبر، ملحين عليه أن يجرد عزمه، وينضي همه، ويذهب إلى مجلس الشيوخ حتى إذا عرض هذا القانون، أرسل على الشيوخ والوزراء من لسانه الغضِّ، وبيانه العذب، صواعق النذير والتحذير, حتى يسترد الوزراء قانونهم، أو يرفضه الشيوخ. وكانت أفواج العلماء قد كلفت نفسها هذا العناء في غير غناء، فما كان الشيخ أيده الله في حاجة إلى التنبيه، وما كان الشيخ أيده الله في حاجة إلى التذكير، وهل ينفق الشيخ بياض يومه وسواد ليله إلا ساهرًا ناظرًا, ومراقبًا محاسبًا يبحث شكوك الشاكين، وريب المرتابين، وكيد الكائدين, ومكر الماكرين, فيردَّ سهام هؤلاء جميعًا في نحورهم؛ ويحمي الإسلام من شرورهم! فكان أعزَّه الله وأصلح باله, لا يستقبل وفدًا من وفود العلماء, ولا يلقى فوجًا من أفواجهم إلا قال: "بارك الله فيكم، لقد نبهتم غير غافل, وأيقظتم غير نائم، فارجعوا مأجورين مشكورين موفورين!! "1. ثم ينتقل من هذا العرض لوجهة النظر الأخرى إلى تبيان المفارقة بين العناصر المتباعدة في الواقع، على النحو الذي ذهب إليه في المقال الكاريكاتيري:
"حتى إذا كان مساء أمس، أقبل الشيخ ومن حوله زملاؤه العلماء الذين يشتركون في أعمال مجلس الشيوخ، وفي وجوههم سماحة الإيمان، وعلى وجوههم شدة الغضب للحقِّ، فلما دخلوا المجلس نظر إليهم الأعضاء من غير العلماء، امتلأت قلوبهم حبًّا ورعبًا! ثم عُرِضَ القانون, فما هي إلّا أن يهمَّ الشيخ بالكلام، حتى ينهض وزير الحقانية مضطربًا حيران، كأنما أخذه دوار، فيعلن في صوت متهدِّج من الخوف، أنه يرى على وجه الشيخ وأصحابه أبقاهم الله ذخرًا للإسلام، وعزًّا للمسلمين، إنكارًا لهذا القانون، فهو يسترده معتذرًا من تقديمه، واعدًا أن لا يعود إلى مثله، مستعطفًا للشيخ وأصحابه، فيغضي الشيخ في تواضع وعزة ورضى ويصفق الأعضاء، ويكفي الله المؤمنين القتال، فلا نزال ولا نضال، بل انتقال إلى جدول الأعمال!!.
"كذلك تحدَّثت شهر زاد، ولكن الصباح لم يلبث أن لاح، فسكت عن الكلام المباح! وخرج الناس من بيوتهم مع الشمس، فاشتروا ما تعودوا أن يشتروه من الصحف، وقرأوا أخبار مجلس الشيوخ، فقرأوا شرًّا، ورأوا نكرًا،