"ما أعرف أن مصر احتاجت في يوم من الأيام إلى أن يطهر جوها السياسي كما تحتاج إلى ذلك في هذه الأيام1".
3- أما النمط الثاني في بنية المقال الصحفي عند طه حسين فهو نمط الهرم المعتدل:
ذلك أن الفكرة النهائية أو الخلاصة أو الدلالة العامة المستخلصة تأتي في النهاية, وأما الشواهد والحالات الخبرية فتكون قبل ذلك، على أن قمَّة هذا الهرم تبدأ بحدث محَدَّد أو مثال معين؛ أو شاهد موضح، تتم مقابلته في صلب المقال بحالات خبرية سابقة أو ملازمة أو متصلة الوجود، من خلال الأسلوب الاستقرائي في العرض والتحليل والمقابلة، حتى ينتهي المقال عند قاعدة الهرم المعتدل بالدلالة الجديدة المستخلصة من هذا الاستقراء، داخل سياق حركة الأحداث, كما سبق أن عرضنا لنماذج من هذا النمط عند الحديث عن المقال التحليل.
ونكتفي في هذا الصدد بنموذج واحد من مقالات طه حسين التي توسَّلت بهذا النمط في بنية المقال، ونعني مقال: "غموض ... 2"، والذي يبدؤه بحدث محدد يصدر به مقدمة المقال:
"كان الناس يتهامسون في الأسبوع الماضي بأن شيئًا جديدًا قد طرأ في مسألة الدَّيْنِ وأداء فوائده ذهبًا أو ورقًا؟ وكانوا يتهامسون بألوان من الأحاديث في تفسير هذا الشيء الطارئ, وأشرنا نحن إلى هذا كله حين أخذنا الوزارة القائمة بالمواقف المريبة التي تقفها بإزاء المفاوضات والامتيازات والدَّيْن. ولم نرد أن نبسط القول، فقد زعموا أن من الحق على الصحف إذا عرضت لبعض المسائل السياسية الخارجية أن تصطنع الدقة وتحرص على الاحتياط، وألا تقول كل ما تعلم حتى لا تخرج الذين يشتغلون بهذه السياسة الخارجية, ولا تثير من المشكلات ما لا خير في أن يثار, لذلك لمَّحنا ولم نصرِّح, وأجملنا ولم نفصِّل, وقدرنا أن في هذا التلميح ما يكفي.
"ولكن يظهر أن الأهرام تريد أن تخطو خطوة أوسع من خطوتنا نحن، فهي تلمِّح أيضًا ولكن تلميحها أقرب إلى التصريح, وهي تجمل ولكن إجمالها أدنى إلى التفصيل, وهي تحدثنا صباح اليوم بأن مسألة الدَّيْنِ قد طرأ عليها تعقيد