الموقف الخطير الذي لا يلبث أن يتكشَّف عن موقف تافه عديم الأهمية يستثير لدينا الضحك، كما تبين من النماذج المقدرة، حيث يتخذ طه حسين من المواقف الوزارية التي تبدو أمام الوزارة جدية خطيرة، مجالًا للسخرية منها بتحويلها إلى مواقف تافهة تستثير الضحك، وفي هذه الحالات -كما يقول شارل لالو3- ينشأ الضحك عن عملية "هبوط في القيمة تعبِّر عن انتقال مفاجئ من نغمة عليا إلى نغمة دنيا. والهبوط في القيمة يساوي في مقال طه حسين: التباين + الانحلال, وهكذا يقوم عنصر التندُّر في الكاريكاتير المقالي عند طه حسين على إظهارنا على المثالب والعيوب حتى نضحك منها، وليس من شأنه أن يكشف عن المحاسن والميزات حتى نعجب بها، وهو على هذا الفهم، يقوم بوظيفة النزال الصحفي من خلال نقد القيم السياسية, بمناسبة ظهور تفاوت بين قيمتين من بينها، وهذا النقد يتخذ صورة نغمتين متنافرتين يأتلف من مجموعها عمل فني، هو المقال الكاريكاتيري في نهاية الأمر.
نخلص مما تقدَّم إلى أن المقال الكاريكاتيري عند طه حسين مقال صحفي وظيفي يقوم على العقل، ذلك أنه يقوم على السخرية الوظيفية, وليس على الفكاهة اللاوظيفية. والسخرية في كاريكاتير طه حسين تعتمد على الذكاء, فهي على نقيض الفكاهة تمامًا, ذات طابع وظيفي يتوسَّل بها طه حسين لتقوم بالتصحيح الاجتماعي "من حيث صيانة الاستقرار الفكري, والاتحاد العاطفي في المجتمع المصري ضد شتى عوامل التنافر والمفارقة أو الإعراب، كما يتوسّل بالكاريكاتير في مقاله إلى نقد الخارجين على المجتمع المصري، وقد يقوم بوظيفة النقد والإصلاح بالنسبة للجماعة ذاتها، كما تقدَّم، وهو أيضًا وسيلة فعالة لتحقيق ضربٍ من التغير الاجتماعي، فالمقال الكاريكاتيري في الفن الصحفي إذن يقوم بوظيفة المصلح الاجتماعي إلى جانب وظيفته كجزاء اجتماعي.
كما أن العنصر الإدراكي، إلى جانب هذا العنصر الوظيفي في مقال طه حسين, يقترن بطابع السخرية المصرية التي تنصبُّ على "الجلافة والغفلة, فمثال الرجل الكامل عند المصريين هو اللبق اليقظ الذي يتجنب الخشونة, ويفطن للخداع والمراوغة, فلا تجوز عنده حيلة، وأي شيء هو أدنى إلى الطبيعة المصرية وأشبه بالتاريخ المصري من التراكم على هذا الأسلوب! "فالجلافة في القول أو في التصرف هي أول شيء يضحك منه أبناء أمة قديمة الحضارة, مصقولة الحاشية, تأنَّقت في الكلام حتى جعلته فنًّا كثير اللحون والإشارات، وتأنَّقت في الكياسة وآداب المعاملة والمعاشرة حتى جعلتها فنًّا كثير المراسم والأصول, لا يتقنه إلا من نشأوا عليه بالتربية والمرانة. أما الغفلة: فالمصري يزدريها ويزدري من يقع