"ووزير داخليتنا أستاذ تلاميذه المديرون والمحافظون وحكام الأقاليم, يعلمهم كيف يديرون أقاليمهم طبقًا للسياسة التي يمليها رئيس الوزراء, أو يبلغها إلى رئيس الوزراء, لهو يجمعهم إليه كلما سنحت فرصة للاجتماع, وهو يتصل بهم إذا لم يتمكَّن الشباب بلقاءهم، وهو إذا لقيهم مجتمعين، أو اتصل بهم منفردين، ألقى عليهم درسًا, ووجه إليهم أسئلة, فمن فهم الدروس وأحسن والجواب وأظهر ذلك بالسيرة العملية المرضية في سياسة الأقاليم وحكمها رقَّاه. ومن لم يظهر منه سَبْقٌ إلى الفهم، ولا مهارة في الجواب, ولا نشاط في السيرة العملية, تركه حيث هو، حتى يظهر تفوقه. ومن ظهر في فهمه التواء، وفي أجوبته انحراف، وفي سيرته اعوجاج عن السياسة المرسومة والخطط المعلومة، هبط به إلى إقليم دون إقليمه, أو انتزعه انتزاعًا من حكم الأقاليم!.
"وقد كان أمس يومًا من أيام الدرس, ويومًا من أيام الامتحان, فقد اجتمع المديرون إلى أستاذهم الجديد ووزير الداخلية, فسمعوا منه وتحدثوا إليه, وتلقوا أسئلة وأجوبة عليها, وليس من اليسير أن نتعَرَّف بالتفصيل موضوع الدروس والامتحان, وإن قالت الصحف أمس واليوم كما تقول دائمًا: إن الأمن العام كان موضوع الحديث في هذا وذاك, ولكن من المرجَّح إن لم يكن من المحقَّقِ أن الدرس الذي ألقي صباح السبت على المصريين جميعًا, وعلى وزراء العالم كله ورجال الإدارة فيه, كان موضوع الحديث في درس أمس -ولعلك تذكر أن هذا الدرس قد ألقي في الهواء الطلق, ولم يكن محاضرة يكثر فيها الكلام, ولا مناظرة ينعقد فيها الحوار، وإنما كان درسًا عمليًّا أشبه بالتمرينات التي يؤخذ بها الطلاب في فصول الدرس. وكان موضوعًا معقدًا بعض التعقيد، زعيم أو زعيمان يزوران شعبًا يحبهما, والشعب يلقاهما بأروع مظاهر الحب لهما والسخط على خصومهما. والحكومة تكره حب الشعب لزعمائه, وتشفق من سخط الشعب على سادته القاهرين له, وتريد أن تريح نفسها من مظاهر الحب للزعماء, والسخط على القاهرين؛ لأن هذه المظاهر تكذب ما شاع وملأ الأسماع وطبق آفاق الدنيا وتردد في أجواء السماء, من أن الشعب لم يبق له إلا زعيم واحد يحبه ويفنى فيه, ويفديه بالأمهات والآباء والأبناء، وبما كان يملك أيام الرخاء, وبما لا يملك منذ ألمَّ به الشقاء، وهذا الزعيم هو رئيس الوزراء1! ".. إلخ.
ومن ذلك يبين أن عنصر التندر في الكاريكاتير المقالي عند طه حسين عنصر وظيفي, يسخر من كل ما من شأنه أن ينحرف بأية قيمة من القيم الكبرى نحو قيمة أخرى أصغر، أو نحو حالة انعدام تام للقيمة، وهو الأمر الذي يتفق مع مذهب "لالو" عالم الجمال الفرنسي المشهور2. والذي يقرر أن