"ثم يسكت الوزير لحظة مقيدة كأنه يجمع الخواطر المشردة في نفسه، أو كأنه ينفذ من هذا الصمت وسيلة يهيئ بها من حوله للاستماع له, ثم يتكلّم فلا يخبر بشيء ولا ينذر بشيء، ولكنه يسأل عن شيء, يسأل أصحابه:
- أقرأتم الصحف؟
فيقولون: نعم.
الوزير: أرأيتم؟
القوم: ماذا؟
الوزير: ألم تروا شيئًا؟
القوم: شيئًا يستحق العناية.. لا.
أحدهم: كل شيء هادئ مطمئن.
الوزير: كل شيء هادئ مطمئن.
أحد القوم: ليس في الصحف شيء غير عادي.
ومن ذلك يبين استخدام القالب القصصي، واستخدام عنصر الحوار استخدامًا كاريكاتيريًّا يؤتي وظيفة السخرية التي ينطوي عليها هذا القالب القصصي. خصوصًا وأن فيها من المفاجأة التي يدور حولها موضوع المقال، وهي سَفَر النحاس إلى سمنُّود1، "وهو الأمر الذي كان يقض مضاجع الوزارة الصدقية"، حين يسافر في كل عيد وتحتاط الوزارة لسفره، وتحتاط لإقامته، وتحتاط لعودته2 ويتخذ طه حسين من هذا الأمر موضوعًا للسخرية من نظام الحكم الذي لا يقوم على أساس شعبي من جهة، ولتأييد سياسة الحرب الذي يعبر عنه في مقاله من جهة أخرى, وهو هنا "حزب الوفد"، من خلال أسلوب قصصي كاريكاتيري يوفِّر على كاتبه بهذا التلميح, وبذلك الإيحاء غير المباشر الإشارة الصريحة السافرة، أو النزال العلني النابي.
ويتوسَّل بهذا الأسلوب الكاريكاتيري كذلك في السخرية من وزارة إسماعيل صدقي، في مقال بعنوان: "درس"3 يبين فيه العامل الذهني بوضوح، من خلال استخدام ذكائه ومنطقه وسرعة بديهته في السخرية, يقول طه حسين:
"رئيس وزرائنا أستاذ تلاميذه الوزراء, يعلمهم كيف يحكمون، وكيف يدبرون أمور الشعب وفقًا لسياسته التي رسمها أو رسمت له, وهو يراقب حكمهم وتدبيرهم, فمن أجاد منهم أبقاه, ومن قصَّر منهم أقصاه!