وينتهي الأمر إلى أن تظهر الحكومة بالشكر، وتنصرف الحكومة، وإن لواء الانتصار ليخفق على رءوس الوزراء!! "2.

وهكذا يكشف المقال عن منطق زائف يقوم على اختلال القياس، ويسخر من نظام الحكم المنعزل عن الشعب، وكأنما يقوم بوظيفة "الجزاء الاجتماعي" الذي يسخر من منطق مختل, هو منطق "سراي العباسية" كما جاء في المقال؛ بحيث يبين لنا بوضوح أن "المغالطة" التي يقوم عليها المقال ليست مجرد فكاهة بريئة، وإنما هي مغالطة وظيفية تخدم أغراض النزال.

وهنا نجد في نماذج المقال الكاريكاتيري عند طه حسين، "غرضًا" أو "وظيفة" تكمن وراء ذلك العرض الكاريكاتيري للمقال، وسواء كانت هذه الوظيفة اجتماعية أم نزالية أم معبِّرة عن أية أغراض أخرى، فإن من المؤكد أنها تكمن وراء الكثير من النوادر البريئة التي قد يوردها المقال بحسن نية في مظهرها، ومن ذلك يستمد المقال الكاريكاتيري طابعه الساخر المضحك لما يشيع فيه من وظيفية في البناء والتحرير.

ونذكر في هذا الصدد مقالًا بعنوان: "حصار"1 يقول فيه طه حسين: "أقبل إلى مكتبه صباح يوم من الأيام، وجلس إلى مائدة عمله حيران واجمًا, ثم أخذ قلمًا وعبث به شيئًا من الوقت ثم ألقاه، ونظر أمامه دون أن يرى شيئًا، وفتح أذنيه جميعًا فلم يسمع شيئًا، والتفت عن يمينٍ واستلقى في كرسيه، ثم انحنى على مائدته، ثم أهوى بيده إلى زرٍّ كهربائي فمسَّه مسًّا, كان يريد أن يجعله رفيقًا خفيفًا، ولكن اضطراب نفسه جعله قويًّا عنيفًا، وأقبل الخادم مسرعًا, فألقى إليه أسماء في غير ترتيب ولا نظام، ولا لقب ولا شيء آخر، وإنما هي أسماء يجري بها لسانه، فتنفذ في أذن الخادم كما ينفذ السهم، ثم يسكت وينصرف الخادم وفي نفسه شيء غريب يحدِّثُه أن أمرًا ذا بال يملأ قلب الوزير خوفًا، ونفسه فزعًا واضطرابًا, وأغلق الخادم الباب من ورائه، وظل الوزير حيران واجمًا قلقًا في مكانه، ينفق جهدًا غير قليل؛ ليحتفظ بما يجب للوزراء من مظاهر الهدوء، واستقرار القلوب في الصدور. ويُفْتَح الباب ثم يغلق, وقد دخل فلان, وما يكاد يصافح الوزير حتى يفتح الباب ويدخل آخر، وتتصل هذه الحركة: باب يفتح، وشخص يدخل, وثغر يبتسم عن خوف، وثغور تبتسم عن جدة، وأيد تلتقي، وكراسي تقرب من المائدة، وأجسام تستوي عليها, ثم تهدأ الحركة، وتستقر الغرفة، ويصدر أمر الوزير بأن لا يفتح الباب إلّا إذا دقَّ الجرس، مهما يكن الأمر، ومهما يكن الطارق منا أو الطارقون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015