الاجتماعية، من حيث ترديد الأصداء ونشر الإشاعات الساخرة، ولكنه ظاهرة اجتماعية ترتبط بدائرة مغلقة، هي دائرة المقال الصحفي في مكان وزمان معينين، الأمر الذي يجعلنا حين نريد تفهم السخرية على حقيقتها في مقال طه حسين، أن نحدد الوظيفة النافعة التي تقوم بها, وهي في صميمها وظيفة اجتماعية، فالفكرة الموجهة في دراسة برجسون1، للضحك هي أن الظاهرة التي نحن بصددها لا تخرج عن كونها استجابة لبعض مطالب الحياة الجمعية، بمعنى أنه لا بُدَّ من أن تكون لعنصر التندر في المقال الكاريكاتيري دلالته الاجتماعية.

ومن نماذج التندر الوظيفي في مقال طه حسين، اعتماده على هذا العنصر في مدخل مقال بعنوان: "إنذار"2.. يقول فيه:

"كانوا يخوضون في ألوان مختلفة من الحديث، فقال قائل منهم: زعموا أن من أكل السمك، وشرب اللبن، ثم دخل الحمام لم يخرج منه إلّا مجنونًا, ولم ينكر على هذا القائل قوله من أصحابه، وكانوا كثيرين، إلا رجل واحد ألح في الإنكار والمماراة حتى ضاق به أصحابه، وحتى أقسم هو ليأكلنّ السمك، وليشربنَّ عليه اللبن, وليدخلن بعد ذلك الحمام، وليخرجنَّ منه موفور العقل متزن الطبع، معتدل المزاج. ورآه الناس بعد ظهر ذلك اليوم يطوف في شوارع القرية ويقف بأنديتها ومجالس أهلها عاريًا قد جمع ثيابه كلها على رأسه، واندفع في ضحك مخيف وهو يقول: زعموا أن مَنْ أكل السمك وشرب اللبن ودخل الحمام لم يخرج منه إلا مجنونًا. وقد فعلت ذلك كله، افترون علي أثرًا من آثار الجنون، أو مظهرًا من مظاهر الاضطراب. "والذين يعرفون هذه القصة التي يتندر بها الناس إذا ذكروا أكل السمك، وشرب اللبن، ودخول الحمام، لا يملكون أنفسهم أن يذكروها ويضحكوا منها ويغرقوا في الضحك إذا رأوا صحف الوزارة في هذه الأيام، ولا سيما إذا قرأوا الاتحاد التي ظهرت أمس، والشعب التي ظهرت اليوم"3.. إلخ.

ثم يستمر بعد ذلك في التندر بما جاء في الصحيفتين، بحيث يبدو للقارئ عند نهاية المقال أن هذا التندر لم يذكر إلّا من أجل هاتين الصحيفتين موضع السخرية النزالية. ويذهب في توضيح استخفاف خصومه بالمنطق، إلى استخدام منطقٍ جديد يختلُّ فيه القياس، كما تبيَّن من قصة الرجل الذي أكل السمك وشرب اللبن ودخل الحمام.. فالاختلال في المنطق مقصود لأجل تحقيق السخرية، ويذكرنا هذا الاستخدام الوظيفي للتندر في المقال الصحفي بقياس "أبيمنيدس الكريتي" الذي يقول فيه: "إن كل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015