الطويل في أيسر الأشياء وأهونها، حتى حين تكون هذه الأشياء مما يشبه سيارة رئيس الوزارء! "1.

ويؤكد شابيرو2، هذه الصيغة اللاواقعية التخيُّلية التي تُميِّز السخرية الكاريكاتيرية فيقول: "إن الاستحالة التي تكمن في صميم الشيء المضحك هي عبارة عن مفارقة حسية عيانية ظاهرة ... ولكن، لما لم يكن "للمحال" أي موضع في صميم شعورنا بالواقع، فإنه ما يكاد "المحال" يدرك، حتى يبادر الشعور إلى طرده، لأنه يرى فيه علامة على اللاواقعية أو اللاوجود".

وإذن فالسخرية الكاريكاتيرية إنما تنشأ حينما ينفذ "التناقض" إلى صميم المقال، كما تبيَّن من النموذج السابق، وكما يبين من نموذج آخر يتوسَّل بالمفارقة والتضاد في تصوير إسماعيل صدقي، في مقال جعل عنوانه: "قمر"3.

"هو رئيس وزرائنا أتمَّ الله له الشفاء، وأسبغ الله عليه العافية، وقد طلع أمس في سماء مجلس النواب فبهر الأبصار، وخلب العقول، وهزَّ القلوب في الصدور، وأطلق لسان أحد النواب المحترمين بهذه الجملة الشعبية الظريفة: "طلع القمر" ... !

"ولكن القمر يطلع في أول الشهر، ويطلع أثناءه، ويطلع في آخره, وله في مطالعه المختلفة هذه أسماء مختلفة، منها ما يبعث السرور والبهجة، ومنها ما يبعث الأمل والرجاء، ومنها ما يبعث في النفس شعورًا هادئًا شاحبًا لا بهجة فيه ولا سرور، ولا أمل فيه ولا رجاء، فالهلال يبعث في النفوس الأمل، لأنه سيصير بدرًا كاملًا كما قال أبو تمام، والبدر يبعث في النفوس بهجة وسرورًا وثقة، لأنه يصور القمر في أجمل صوره وأبهاها، وأخلبها للعقول والأبصار، أما القمر فلا يبعث في النفوس شيئًا خاصًّا، وإنما هو شعور هادئ قلَّمَا يتجاوز هذا الجمال العام، ففي أيِّ طور طلع قمر رئيس الوزراء أمس في مجلس النواب؟ لم يكن هلالًا من غير شك, فقد كان هلالًا منذ زمن بعيد حين ألَّف الوزارة ونهض بأعباء الحكم! ولم يكن بدرًا من غير شكٍّ, فقد كان بدرًا منذ زمن بعيد حين استحكم له الأمر واجتمعت له أسباب للقوة، فسيطر على مصر غير منازع ولا مدافع! فأجرى أمورها كما أحبَّ بيد قوية حازمة لا تعرف الضعف، ولا يجد الخَوَرُ إليها سبيلًا, أو أطلق لسانه بألوان الخطابة في السياسة حينًا، وفي الاقتصاد أحيانًا، بالعربية حينًا وبالفرنسية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015