استخدام الخيال في النظر إلى الواقع، بحيث يعامل الواقعي على أنه لا واقعي، ويعامل اللاواقعي على أنه واقعي، كما يبين من "استقلال السيارتين في وقت واحد، ومن هنا, فإن للتناقض والتضاد دورًا هامًّا في المقال الكاريكاتيري؛ لأنه هو الذي يؤكد عامل "اللاواقعية L'irrealitee" واللاواقعية هي الصبغة المميزة للشيء المضحك أو للموضوع الفكاهي بصفة عامة"1.
على أن طه حسين يضع في مقابل هذا العامل "اللاواقعي" موقفًا مناقضًا تمامًا؛ ليبرز الانحراف عن المنطق في موقف رئيس الوزراء الذي يصوره المقال، بحيث تظهر المفارقة والتنافر والاختلال في القياس عند تكامل المقال. يقول طه حسين:
"أرأيت أنا لم نخطئ حين تحدَّثنا إليك في هذه القصة الصغيرة، قصة السيارة التي اشتريت لرئيس الوزراء، على حين يتحدث الكُتَّاب الآخرون إلى قرائهم في الخزانات والاستجوابات، وعودة المندوب السامي أو بقائه في لندرة، وما يسمونه الموقف السياسي، أرأيت أن تحدُّثَنا إليك عن هذه السيارة قد انتهى بك وبنا إلى خصال يجب أن يتدبرها، ويفكر فيها كل من ينصِّبُ نفسه للعمل في الحياة العامة؟ أولى هذه الخصال الاقتصاد الذي لا ينبغي لرؤساء الوزارات أن يقصروا فيه مهما يكن يسيرًا ضئيلًا، وقدوتهم في ذلك رئيس وزرائنا، حين آثر في أمر هذه السيارة ما آثر من الاقتصاد! ".
"وثانية هذه الخصال اليقظة للمصلحة العامة، وللمصلحة الخاصة مهما تكن دقيقة غامضة, فلا ينبغي أن يشغلنا عن هذه المصلحة مرض مهما يكن مخيفًا، أو عمل مهما يكن دقيقًا.
"وثالثة هذه الخصال الفناء في الإخلاص للرؤساء، فلا ينبغي إذا مرض رئيسك أن تهمل سيارته! ولا ينبغي إن أقام رئيسك أن تنسى أنه قد سافر! ولا ينبغي أن تنسى أنه قد يسافر! ولا ينبغي إن سافر رئيسك أن تنسى أنه قد يعود! وهذه مشكلة أَدَعُ لك ولغيرك من القراء أن تلتمسوا لها حلًّا؟ وما دام الإخلاص للرؤساء واجبًا، وما دام من الحق على المرءوسين أن يقدروا حركات رؤسائهم إذا سكنوا، وسكون رؤسائهم إذا تحركوا، فقد يكون من الحق على أعوان الوزارة أن يقدروا أنهم، وإن تولوا الوزارة وأطالوا المقام في مناصبها فقد يستقيلون.
"صدقني أيها القارئ العزيز, إن من الحق عليك أن لا تتحرج من التفكير