إنجلترا, وعند قوم من الأجانب هم الإنجليز؟! أم هي الصحف قد قالت على الرجلين جميعًا ما لم يفعلا؟ ".. إلى أن يقول:
"لا يريد هذا الطائر الذي يُسَمَّى سوء الظن أن يستريح، ولا أن يريح الناس حتى يتبين ويتبينوا معه وجه الحق في هذه القصة، ثم لا يريد هذا الطائر أن يستريح، ولا أن يريح الناس، حتى يتبين ويتبينوا معه وجه الحق ساطعًا وضَّاءًا جليًّا، فيما كان بين الأهرام ورئيس الوزراء, أو قل: فيما كان بين رئيس الوزراء وزملائه, فإن سكون الوزارة على تحدي الأهرام، وسكوت صحف الوزارة على هذا التحدي، وإغراق الوزارة وصحفها في صمت عميق بعد ما نشره مندوب الأهرام صباح أمس، دليل واضح على أن الرجل لم يخترع، ولم يبتكر، وإنما حدَّث فتحدث، وأتى بشيء فأذاعه بين قرائه، وأكبر الظن أن الذين تحدثوا إليه قد أرادوه على أن يذيع هذا الحديث، ليؤكدوا للناس أن ليس على الوزارة من بأس ولا خوف.
"يظهر إذن أن الأهرام قد خرجت من هذه المعركة ظافرة صادقة، لا إثم عليها ولا تثريب، فيريد هذا الطائر أن يتبين، وأن يتبين الناس معه، أيهم قال غير الحق؟ ".
ثم يختم المقال بعد هذا التصوير الذي يعلِّقُ من خلاله على شواهد سياسية من الواقع الملموس، فيكمل ما بدأ به في مستهله من بحث "طائره" الأخير عن العلم والتثبت، وكأن هذا "الطائر" الأخير، ينتقل بالقارئ إلى نقد المتن بعد نقد السند، فهو هنا يرجع إلى عقله، ويحاكم الأمر من جميع وجوهه: الوزراء، رئيس الوزراء، الصحف. واقفًا تجاه حكاية الطير "موقف الباحث المتشكك، إذ أن رواية الخبر شيء، وتصديقه شيء آخر، وهذا الشك وتقليب أوجه الرأي عند طه حسين من سمات الاستقراء الديكارتي في مقاله، وقد تجلَّت لنا شخصية طه حسين الفكرية فيما أبداه من بوادر الشك تجاه ما تناوله مقاله من خلال عرض كاريكاتيري ينتهي إلى هذه الخاتمة:
"أرأيت إلى هذا الجو المنكر الذي نعيش فيه؟! أرأيت إلى هذه البيئة الخانقة التي نضطرب فيها؟ أرأيت إلى الصدق والكذب كيف يختلطان؟ أرأيت إلى الحق والباطل كيف يشتبهان؟ أرأيت إلى الأمانة والخيانة كيف تلتبسان؟ أرأيت إلى الريبة تصبح قاعدة من قواعد السياسة، وأصلًا من أصول العلاقة بين الحاكم والمحكوم؟ أرأيت إلى هذا كله؟ فكرت في هذا كله؟ أقدَّرت أثر هذا كله في حب الناس للوزارة، وثقتهم بها، واطمئنانهم إليها، أقدرت أثر هذا كله في أخلاق الناس حين يتصل بعضهم ببعض، وحين يتحدث بعضهم إلى بعض، وحين يأتمن بعضهم بعضًا على الأسرار؟ ألست توافقني على أن هذه