"ولكنه إقدام خطر قد يجر إلى الشر، وينتهي إلى ما لا يحبه المقدِمُون أنفسهم، وقد لا تحتمله أيضًا صحة هذه الوزارة التي أخذتها العلل من أطرافها المختلفة، فأعجزتها عن النهوض بجلائب الأعمال؛ سواء أكانت هذه الأعمال نافعة أم ضارة.
"نعم إقدامٌ خطر مريب معيب، هذا الذي أخذت تظهر آثاره وبوادره على أعمال الإدارة في الصعيد، فقد كانت الإدارة هادئة في أسوان، وكانت مستقرَّة تسمع وترى, وتألم وتغضب، ولكنها لا تضطرب أو لا تسرف في الاضطراب، بل تخلق بين الناس وبين أنفسهم، يحسون ويشعرون، ثم يعربون عَمَّا يجدون من حسٍّ وشعور, فيختفون ويصفقون ويهتفون, وكل شيء هادئ والنظام مستقر, إلا أن يكون إظهار الشعور والاستمتاع بالحرية الطبيعية التي يكفلها الدستور خروجًا على النظام وتكديرًا للصفو والهدوء.
"كانت الإدارة هادئة مطمئنة في أسوان حين زارها الرئيس الجليل, فلم يحدث أو لم يكد يحدث شيء ذو بال، ولكن أشد الأحلام رزانة قد يخف, وأعظم الأحلام ثقلًا قد يطيش. ويظهر أن عمر الإدارة محدود مهما يطل, وإن حلمها ضيق مهما يتسع، وأنها قد ترى ما تكره هي وإن لم يكره الدستور ولا القانون ولا النظام, فتحتمله ساعة أو ساعات, وتصبر عليه يومًا أو أيامًا، ثم لا تلبث أن تتنكر له وتثور به وتعرض للناس, تأخذهم بكظم الحسِّ وكتمان الشعور والنزول عن حقهم الطبيعي في أن يغدوا ويروحوا ويأتوا من الأمر ما يحبون لتكريم من يحبون1".
وهكذا ينتقل الكاتب من معنى إلى آخر, ومن شاهد إلى آخر، وكل معنى وكل شاهد يذكِّرُ بالآخر، وكل فكرة توحي بأخرى، إلى أن يقول:
"نعم في مصر حياتان مختلفتان! إحداهما: حياة أمة كلها أمل؛ فهي تصبر وتبتسم، والأخرى: حياة وزارة كلها بأس؛ فهي تغضب وتتنكر, وهي تهيج وتثير الناس. وأي غرابة في أن يضيق من يملأ قلبه اليأس بمن يملأ قلبه الرجاء. إقدام خطر هذا الذي تظهر آثاره في الصيد خير منه الإحجام. ما أشد حاجة الوزارة إلى أن تفكر في نفسها, وتعنى بصحتها, وتعالج هذا الشلل الذي أصاب أطرافها, وتفرغ لهذا التمرد الذي دبَّ في أحزابها. فإن في هذا كله ما يشغلها عن زيارة الرئيس الجليل وصاحبه للصعيد، لتفرغ الحكومة لشئونها الصغيرة والكبيرة, ولتطمئن فلن يتعرض نظام. ولا أمن للخطر ولا لما يشبه الخطر إذا أخذت هي رجال الإدارة بالهدوء, وكفَّت هي يد الإدارة عن الناس.
"إن استقرار النظام رهين باستقرار الإدارة, فإذا لم يكن بدٌّ من أن تعمل الحكومة شيئًا فلتجذب إليها بشدة لجم الإدارة, فقد يظهر أن في خيل الإدارة ميلًا إلى الجموح2".
وهكذا حتى يستنفد الكاتب معانيه وأفكاره وشواهده ما استطاع, وهذا العنصر من عناصر الكاريكاتير المقالي يقودنا إلى الحديث عن عنصر آخر.