واستطراد الأفكار عن عمدٍ وظيفي للسخرية من سياسة التعليم, يقول في مقدمة هذا المقال:

"تفضَّلَ كاتب أديب من أصدقائنا فروى هذه المناظرة البديعة التي كانت بين بحر ونهر منذ شهر أو أكثر من شهر، والتي سمعها مفتش من مفتشي وزارة المعارف فأراد أن يمتحن بها الصبيان، لتتبين الحكومة: أصبياننا أبلغ، أم بحار الأرض وأنهارها؟!.

"ومن المحقق أن نتيجة الامتحان ستظْهِرُ قصور الصبيان في هذا الفن من فنون البيان، ومن المحقق أيضًا أن إذاعة السؤال الذي ألقي على الأطفال قد شاقت الناس جميعًا إلى أن يعرفوا إجابة الأمر بين البحر والنهر، فلا جرم إثرنا أن نجعل مقال الكاتب الأديب "حديث المساء" في هذا اليوم، وإن نهدي هذا المقال بالنيابة عن صاحبه إلى وزير التقاليد ورجال التعليم في وزارة المعارف؛ لعلهم يشعرون بأن من أعسر الأمور وأشقَّها أن يقاس الصبيان في فن البيان بالأنهار والبحار.

"ولعل الذي سيصححون الامتحان يستفيدون من هذا المقال، فيعرفوا وجه الحق في فضل البحر على النهر، أو فضل النهر على البحر، ويعصمهم ذلك من ظلم الصبيان المساكين.

فنحن لا نشكُّ ولا نرتاب في أن علم المصححين بهذه المسألة كعلم التلاميذ؛ يسير ضئيل لا يجلو شكًّا ولا يزيل شبهةً، وأكبر الظن أن وزير التقاليد سيدعو إليه المفتش الذي وضع هذا السؤال، ليتبين منه أمر هذا المقال، أمطابق هو لما سمع من البحر والنهر، أم فيه شيء كثير أو قليل من التغيير والتبديل؟

"وأكبر الظن أن بلاغًا رسميًّا سيصدر لينبئنا برأي المفتش في هذا الحوار!

"فليقرأ الناس ولينتظروا، وليقدِّمُوا معنا إلى الكاتب الأديب أجمل الشكر وأحسن الثناء1".

ثم ينتقل بعد هذه المقدمة إلى تقديم حوار كاريكاتيري يسخر من سياسة التعليم ومن وزير التقاليد بين "نهر وبحر"، يقوم على التوليد اللفظي والمعنوي واستطراد الأفكار، وهكذا حتى يستنفد المقال أغراض السخرية والتقويم.

وقد يعتمد هذا العنصر الكاريكاتيري على فهمٍ حرفيٍّ للكلمات يستثير السخرية، لما يكمن وراء هذا الفهم الحرفي من دلالة اجتماعية وسياسية، ومن ذلك مقال يعنونه طه حسين بلفظ عربي هو: "إقدام2" يستهلُّه بقوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015