السياسي من أهم الألوان لأدبنا العربي الحديث، فيه الحدة والعنف, وفيه المتعة واللذة، وفيه التنوع، والاختلاف بتنوع الأمزجة واختلافها، وفيه الإيجاز والإطناب، وفيه التصريح والإشارة1. على أن هذا الهجاء الكاريكاتيري في مقال طه حسين، لم يقصد به إلى الهزل كما ذهب الجاحظ إلى ذلك2، وإنما قصد به إلى الجدِّ، من حيث الوظيفية الهادفة في الكاريكاتير المقالي في الصحافة المعاصرة, سواء من جهة المحتوى أو الفنية.
ولذلك فإن هذا الفن المقالي عند طه حسين لا تتقطَّع الأسباب بينه وبين عامَّة الناس وأوساط المثقفين والخاصة جميعًا، شأنه في ذلك شأن مقال البشري3، ذلك أن هؤلاء جميعًا يجدون فيه "اللذة القوية إذا أقرأوه أو سمعوا له، ولكنه مع ذلك, بل من أجل ذلك, يرتفع ويرتفع حتى يرضي خاصة الناس، ويبلغ إعجابهم، وينزل من قلوبهم أحسن منزل، ويقع من عقولهم وشعورهم أجمل موقع وألطفه، فهو فنّ مُيَسَّر ممهَّد موطَّأ الأكناف، فيه دماثة الرجل الذي حسنت أخلاقه، ورقَّت شمائله، وظرفت نفسه، واعتدل مزاجه؛ فهو محبَّب إلى الناس جميعًا، مقرَّبٌ إلى الناس جميعًا، يرغب الناس جميعًا في صحبته، ويكلف الناس جميعًا بعشرته، يتحرَّق الناس جميعًا إلى لقائه, ويعجز الناس جميعًا عن فراقه, وبعد العهد به"4، وما أقرب هذه السمات إلى نفس طه حسين، التي تتجلَّى في مقاله الكاريكاتيري، مكونة للروح الساخرة التي أشرنا إليها, والتي تصدر عن خصالٍ ثلاث, جمع بينها ولائم بينها جميعًا، وكون منها مزاجًا صحفيًّا هادفًا.
وأول هذه الخصال أنه مصري تمثَّل بيئته المصرية في صعيد مصر، وفي بيئته القاهرية، إلى أن ثقافته ترتفع به إلى هذه الطبقة الممتازة التي تُحْسِنُ الحكم على الأشياء، فجاء مقاله مصري الحسِّ، مصري الشعور، مصري الذوق، مصري السخرية التي تميز بها المصريون بين جيرانهم في الزمن القديم والحديث5. بحكم لباقتهم المستفادة من قدم الحضارة, وبحكم الحوادث التي تلجئهم إلى التخفيف وقلة الاكتراث6، ومن أجل ذلك جاء مقال طه حسين متَّسِمًا في سخريته بالصبغة المصرية، مطبوعًا بطابع إقليمه وتاريخه، بحيث ينمُّ عن خصائصه الفكرية والنفسية, ويميِّزُه نمطًا وحده قليل النظائر بين أنماط المقال الصحفي.