وتقوم هذه النمذجة الكاريكاتيرية في مقال طه حسين على طريقتين:
الأولى: تعزل "من مجموع نفسية الشخص العاطفة التي ينسبها إليه, ويظهرها على أنها حالة طفيلية ذات وجود مستقل. ذلك أن هذه الطريقة في "الكوميديا" تخاطب من القارئ عقله1، ولذلك نجد طه حسين يتوسّل في هذه الطريقة بوسائل ملائمة تجعل القارئ لا يتأثر بالموقف العاطفي. على نحو ما نجد في "الأيام" من تصوير "سيدنا", وهو في جلسته التي اتخذها على دكة من الخشب صغيرة ليست بالعالية ولا بالمنخفضة، وقد وسعت على يمين الداخل من باب الكُتَّاب، حيث يمرُّ كل داخل بسيدنا وقد خلع عباءته، أو بعبارة أدق: دفيته، وجعلها في شكل المخدة عن يمينه يتكئ عليها، وهو مخلوع النعلين، متربعًا على الدكة, ينادي الصغار بأسمائهم، وهو يتطلَّع كالمبصرين إليهم، مع أنه مكفوف البصر إلا من بصيص ضئيل جدًّا من النور في إحدى عينيه، يمثل له الأشباح دون أن يمكنه تمييزها, ولكنه كان يخدع نفسه، ويظن أنه يعتمد في طريقه إلى الكُتَّاب وإلى البيت على اثنين من تلاميذه، يبسط ذراعه على كتفي كل واحد منهما, ويمشي الثلاثة في الطريق هكذا، وقد أخذوها على المارة حتى المارة لهم عنها2.
وأما الطريقة الثانية، فهي ترتبط بالرؤيا الوظيفية للمقال الكاريكاتيري كذلك، وهي لذلك تتمثل في اقتران انعدام الانتباه بانعدام الروح الاجتماعية في النموذج، الذي ليس في مقدروه التوافق مع الجماعة. وهو الأمر الذي يميِّزُ "الضحك" كما يذهب إلى ذلك برجسون"3، بحيث يمكننا أن نقول: إن فن المقال الكاريكاتيري هو في الدرجة الأولى تجسيم للعيوب الاجتماعية، وتصوير للنماذج البشرية التي تَنِدُّ عن معايير الجماعة.
وقد تفنَّنَ طه حسين في نمذجته الكاريكاتيرية لبعض الشخصيات "المنعزلة" عن المجتمع والخارجة عليه، والتي لم تنجح كذلك في التكيف، كما نجد في نموذج الحاكم المنعزل عن رعيته، والذي صوره لشخصية إسماعيل صدقي4, من خلال المقابلة بين حياته في الصيف واصطيافه في أوربا، وبين حياة الشعب في ظروف الأمة الاقتصادية والدستورية، وهي المقابلة التي تنتهي إلى انعدام الروح الاجتماعي في نموذج الحاكم، ووزرائه وأعوانه الذين يجب عليهم "إذا لهوا بهذا كله، ووجدوا لذة في هذا كله، أن يذكروا أولئك المساكين