ويتوسّل طه حسين بالكاريكاتير في ماله لتحقيق ضربٍ من "التغيير الاجتماعي" يتلاءم مع الاستراتيجية القومية في زوال المجتمع التقليدي على النحو المتقدِّم، إلى جانب وظيفته كجزء اجتماعي, ومن ذلك ما كتبه في "حديث المساء" بعنوان: "تهنئة" يقول:
"نعم لا بُدَّ من تهنئة, بل من تهنئات كثيرة يساق بعضها إلى الأمة, ويساق بعضها إلى الحكومة، وتتصل بأشياء كثيرة لا ينبغي أن تمرَّ دون أن تهنأ عليها الحكومة. ولست أدري لماذا لا أحسُّ حاجة إلى الاستعمال في تهنئة الأمة, وإنما أنا حريص أشد الحرص على أن أقدِّمَ للحكومة قبل الأمة أصدق التهنئة وأخلصها, لما وفِّقَتْ إليه أمس من البراعة في التمثيل المضحك، والتفوق في فن التسلية وتجلية الهموم, ومع ذلك فليس من أعضاء الوزارة من درس في معهد التمثيل الذي ألغاه وزير التقاليد, أو غيره من معاهد التمثيل في أوربا"1. إلى أن يقول مقومًا سياسة الوزارة الصدقية مواصلًا سخريته: "ومصر في حاجة إلى حكومة من غير شك، ولكن الشعوب تحتاج أيضًا إلى المسلِّين والمضحكين, ولم تحتج مصر في يوم من الأيام إلى مَنْ يضحكها ويسليها كما احتاجت اليوم، وقد حاطت بها الخطوب من كل مكان"2.
ويقول: "فليس في الأرض شعب من الشعوب يستطيع أن يفاخر الشعب المصري بأن له وزارة كوزارتنا تسوءه وتسرُّه معًا، وتغضبه وترضيه معًا، تُنْزِلُ بساحته الهموم والأحزان, حتى إذا غمرته من ذلك بما يطيق وما لا يطيق، رفعت له الستار عن مهزلة بديعة كلها دعابة وفكاهة، ولباقة وظرف، وأي شعب من الشعوب يستطيع أن يقول كما يقول الشعب المصري اليوم بحقٍّ "إن لي حكومة تجمع بين السياسة والإدارة والتمثيل، فتتفق السياسة والإدارة والتمثيل، ولا تأخذ على هذا إلا أجرًا واحدًا"3.. إلخ.
فبهذا الأسلوب الكاريكاتيري يتناول طه حسين أعمال الحكومة وتصرفاتها، بهدف تقويم سياستها، يقول طه حسين: "أنا أريد أن ألقى سياستنا المصرية ضاحكًا دائمًا، لأن سياستنا المصرية أصبحت مضحكة, ومضحكة فحسب منذ حين"4. على أن هذه السخرية لا تهدف إلى "التطهير الكوميدي Catharsis comque" بالمعنى الأرسططاليسي، ولكنها تتسلَّط أساسًا على رقاب النماذج الركيكة من السياسيين المحترفين الذين تداولوا حكم مصر حينًا من الدهر، الأمر الذي يحدِّدُ الوظيفة الاجتماعية في المقال الكاريكاتيري عند طه حسين، والاستجابة لمطالب الرأي العام.