اللفظين القويين, بل كان أشد من ذلك حذرًا ومهارة في الجواب, فقال: "بديهيٌّ أن هذه الحال لا يمكن أن تدوم".

"أترى الفرق بين الجوابين؟ أترى أن الأول كان جذوة مشتعلة, وأن الثاني هادئ هدوء السياسي الذي لا يريد أن يعدك, ولا يريد أن يدخل اليأس عليك, إذن فباسم رئيس الوزراء وعدنا كاسترو يوم الجمعة, وباسم رئيس الوزراء أخلفنا يوم السبت"1 ... إلخ.

2- إن موضوع النزال والجدل يكون مقسمًا تقسيمًا منطقيًّا، وفق المنهج الديكارتي كما تقدَّم، في تقسيم الموضوع ما وسعه التقسيم، ليدور الجدل حول أقسامه واحدًا بعد الآخر من خلال نظام الأسباب، الذي يجعل للموضوع "وحدة" عضوية، وطه حسين باستخدام الأسلوب الاستقرائي يقابل استخدام "الترديد والأقيسة المنطقية الأرسططاليسية في المناظرة العربية القديمة". والتي كان يستخدمها في طور تكوينه الصحفي قبل سفره إلى فرنسا، ذلك أن الاستقراء الديكارتي -كما تقدَّم- حل في منهج مقاله محل المنطق الأرسطي، لما يتمتع به الاستقراء من وسائل تعين كاتب المقال على "هداية الذهن", ومن ذلك مقال بعنوان: "خصومتان"2, يبين لنا أثر التقسيم الاستقرائي في تطوير الأسلوب الجدلي للنزال.

"ثارت في مجلس النواب خصومتان عنيفتان في هذا الأسبوع, ذهبت إحداهما لغوًا كأن لم تكن, وكادت الأخرى تفسد الائتلاف بين حزبي الحكومة, لولا أن الذي بيده عقدة هذا الائتلاف لم يأذن بعد بالطلاق بين الحزبين الشقيقين3 كما تسميهما بعض الصحف.

"فأما الخصومة العنيفة التي ذهبت لغوًا كأن لم تكن, فهي التي أثيرت حول سياسة التعليم, فقد خطب النواب وردَّ عليهم نواب آخرون. وتكلَّم وزير المعارف وخُيِّلَ إلى الذين قرأوا كلام أولئك وهؤلاء أن تغييرًا عظيم الخطر سينال سياسة التعليم في أصولها وفروعها، ثم سكنت العاصفة وصفي الجو وابتسمت السماء, ومضت سياسة التعليم كما تريد وزارة المعارف أن تمضي, إن كانت وزارة المعارف تعرف وجهًا تمضي فيه بسياسة التعليم". ثم ينتقل من ذلك إلى تقسيم "سياسة التعليم" إلى قسمين:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015