"فالواقع أن وزارة المعارف في هذا العهد السعيد قد اضطربت بين سياستين؛ إحداهما سياسة الوزير السابق وكانت تعتمد على التجديد والرقي، وكانت تعتمد أيضًا على تعرُّف العلل التي يشكو منها التعليم في مصر.. إلخ".
إلى أن يقول: "ولكن وزير المعارف السابق ذهب إلى بروكسل, وخلفه الوزير القائم فذهب إلى بروكسل أيضًا, سياسة التعليم الأولى وقام التقليد مقام التجديد؛ فأقفلت معاهد، وألغيت أعمال.. إلخ"1.
ثم ينتقل بعد تفصيل ذلك ما وسعه التفصيل إلى الخصومة الثانية والتي تتعلق بدار "الأوبرا", ويعلق بعد تفصيل هذه الخصومة الثانية كذلك بقوله:
"وما كنت أظن أن سياسة التعليم تثير عاصفة لا تلبث أن تهدأ، وأن دار الأوبر تثير عاصفة تتجاوز مجلس النواب إلى أندية الأحزاب وإلى دور الوزراء القائمين والمستقلين, وتزعج حتى رئيس الوزراء الذي هو في أشد الحاجة إلى الراحة وهدوء البال, ولكن يريد أن تنعكس الأشياء دائمًا في مصر, فيهون التعليم كله وتعزّ الأوبرا, ويلقي وزير التقاليد في الدفاع عن التجديد "وأيّ تجديد" ما يطاق وما لا يطاق من خصومة الشعبين"2.
3- الأسلوب الجدلي في نزاليات طه حسين يعبِّر عن المعاني السياسية والمناظرات بين الأحزان وفي "المناظرات متسع للتهاون والتبسط في القول. فأما عندما تتكلف اللغة التعبير عن الفلسفة والعلول الدقيقة، فالتجوّز والتساهل والاتساع ليس من الأشياء التي تحتمل، بل من الأشياء التي تجد فيها اللغة كثيرًا من المشقة"3. ولعل في ذلك ما يفسِّر قول طه حسين أن المقالات النزالية يسَّرت اللغة العربية "تيسيرًا غريبًا"2 كما تقدَّم، على أن طه حسين، كان يتمثَّل الوظيفة الإقناعية للمقال النزالي، ولذلك كان يحذر كل الحذر من استعمال الغلوّ أو الصنعة، وما إليها من أدوات التأثير، الأمر الذي يجعل من لغة المقال النزالي تمثِّلُ تحولًا جديدًا في الصحافة المصرية بصفة عامة، وصحافة طه حسين بصفة خاصة لما يتيحه لها "الجدل" من مرونة! تتجاوز لغة الأدب, ولتصبح لغة "عملية" وظيفية مستقلة بنفسها، ومن ذلك أن طه حسين قد استحدث تراكيب جديدة في لغة الصحافة المصرية لم تخطر للأدباء الأولين على بال.
فمن ذلك قوله: