إن كاسترو لم يذهب يوم الجمعة محدِّثًا ولا صحفيًّا, وإنما ذهب مهنئًا لا أكثر ولا أقل.
"نستغفر الله! بل هناك أكثر من هذا, فإن كاسترو الذي كان صحفيًّا فأصبح مهنئًا, تحدَّث إلى الوزير في مسائل سياسية, ونشر الحديث على غير ما ألقاه الوزير, غيَّرَ وبدَّلَ, أضاف إلى الوزير ما لم يقل, وحمله ما لا يريد أن يحتمل1.
ثم يقول بعد تفصيل المناقشة فيما قال "كاسترو":
"الحق أنَّا لا نشمت في كاسترو ولا نلومه على تسرُّعِه في نشر شيء لم يتثبَّت صحته, فهو صحفي, وهو يعلم مقدار كلف الأمة بحرية المعتقلين والمبعدين, وحرصها على هذه الحرية, وهو بعد هذا كله مؤيد للوزارة الجديدة, فمن حقه ومن حق الأمة والوزارة عليه أن يسرع فينشر من الأحاديث ما من شأنه أن يرضي الأمة ويمهِّد للوزارة تمهيدًا حسنًا.
"إذن فالرجل لم يفعل شيئًا غريبًا, وإنما أدَّى واجبًا واستمتع بحق, ولكن للسياسة شرها وخيرها. وللصحافة عرفها ونكرها, وقد أراد سوء الحظ أن يخطئ كاسترو فهم حديث الرئيس, أو أن يكون الرئيس قد تعجَّل ثم بدا له فاستأنى. أراد سوء الحظ على كل حال أن يعدنا كاسترو باسم رئيس الوزراء يوم الجمعة, وأن يخلف وعده بأمر رئيس الوزراء يوم السبت"2.
على أن هذا التقيد بأفكار المنازل أو الخصم، يرتبط في المحل الأول -عند طه حسين- بالوظيفة الإقناعية، ولذلك نجده يردِّدُ في عباراته في هذا المقال الذي ينازل فيه رئيس تحرير صحيفة معبرة بالفرنسية، ألفاظًا من تعبير منازله، ويسجلها بلفظها الفرنسي, ولا يكتفي بترجمتها إلى العربية، ومن ذلك قول طه حسين:
"وليس في ذلك شيء من المبالغة, فقد كان جواب رئيس الوزراء يوم الجمعة حين سُئِلَ عن الاعتقال والإبعاد, أن هذا الأمر لا يمكن أن يُقْبَلَ ولا يمكن أن يحتمل" ووددنا لو استطاع الناس جميعًا أن يشعروا بقوة هذين اللفظين في اللغة الفرنسية, كذلك كان جواب رئيس الوزراء يوم الجمعة.
ولكن ظهر يوم السبت أن رئيس الوزراء لم يقل هذا ولم ينطق بهذين