"وغضب رئيس المجلس حين سمع هذه الكلمة لنفسه, ولنواب الأمة، ووزراء الدولة، فطلب إلى النائب المحترم أن يسترد كلمته هذه، ويظهر أن النائب المحترم من تلاميذ أستاذنا الشيخ محمد المهدي -رحمه الله، فقد أساء إلى بعض الناس بكلمة ساقها إليه، فلما طلب سحبها كما يقولون أجاب" "يا ولدي كلمة قيلت فكيف أسحبها" لذلك أبى النائب أن يسحب كلمة بعد أن قالها، وقد غضب المجلس، أو بعبارة أدق, اختلف المجلس في وقع هذه الكلمة، أكان شديدًا فينبغي أن يألم له النواب؟ أم كان خفيفًا فينبغي أن يغضي عنه النواب؟ لذلك لم يثوروا بصاحب الهمج هذه! وإنما ألحوا عليه في رفق ولطف في أن يستردها، ويعتذر منها، ولم يكن يعدل لين المجلس إلا شدة النائب! فقد كان المجلس يلح في الاعتذار، وكان صاحب الهمج، يكرر الهمج، حتى إذا أثقل زملاؤه عليه، لم يسحب الكلمة، وإنما سحب نفسه، وخرج من المجلس جديدًا شديدًا، يمزق بيديه مشروع القانون الذي كان يعرضه وزير التقاليد! وكان يدرسه المجلس ويظهر الميل إليه، والتأييد له، وكان النائب ينكره، ويرى أن الهمج لا يعرضونه ولا يقبلونه!!
"هناك كانت حِدَّة وشدة، وهناك كانت ثورة وفورة، ولكنها لم تكن عامة ولا شاملة، وإنما كانت مقصورة على جماعة من النواب، لهم فيما يظهر أمزجة حادة، وحِسٌّ سريع التأثر، وكانت كثرة المجلس آخذة بالعفو، آمرة بالعرف، ميالة إلى الصفح، ولا سيما إذا قبل صاحب الهمج أن يتَقَدَّم بالاعتذار، وسترى اليوم إلى أين تبلغ هذه القضية: أيسحب النائب كلمته فيبقى في المجلس؟ أم يأبى النائب سحب كلمته فيسحبه المجلس من بين أعضائه سحبًا موقوتًا أو غير موقوت؟! ".
ثم يختم المقال بهذه النتيجة الساخرة التي طرح معطياتها فيما تَقَدَّم من القول:
"وإذن فستشهد القاهرة مساء اليوم ثورتين، ثورة في مجلس النواب، وثورة في مجلس الشيوخ، ولكنهما ستكونان بإذن الله خفيفتين كل الخفة، هادئتين كل الهدوء، لن تضطرم فيهما النار حتى يطفئها الاعتذار!! ثم يمضي الليل ويشرق النهار، ونقرأ أن نوقشت القوانين وأبواب الميزانية في المجلسين في سرعة دونها مر القطار السريع"1.
ويبين التزامه بمناقشة الأفكار والآراء التي يطرحها خصمه، وترديده عبارات منازله في إطار من السخرية من مقال يكشف عنوانه عن هذه السمة بوضوح، ونعني مقال: