هذه القوالب الفنية في النزال تشترك في عدة سمات نزالية تتغيَّا الإقناع، منها:
1- إن طه حسين حين يجادل يرتبط بخصمه، ويتقيد بأفكاره إلى حدٍّ ما، يستمع إليها، ثم يناقشها، ولذلك يردد في عبارته كثيرًا من ألفاظ منازله وعباراته، إذا كانت موضوع النزال.
ومن ذلك مقال بعنوان: "همج"1، يستخدم فيه كلمه مهجورة عنوانًا لمقاله، من ألفاظ خصومه في مجلس النواب "في عهد صدقي", يقول طه حسين:
"نعوذ بالله أن نحب هذه الكلمة، أو أن نؤثرها، أو أن نتخذها عنوانًا لفصلٍ من الفصول عن رضى بها أو ميل إليها، ولكنها كلمة أصبحت رسمية, أو كسبت حقًّا من الحقوق المدنية, فلم يبق بد من أن نقر لها بهذا الحق الذي كسبته أن نؤمن لها بهذه المزية التي ظفرت بها, أو أي حق أعظم من أن ينطق بهذه الكلمة نائب من النواب في مجلس النواب، على منبر النواب، وتحت قبة البرلمان, أو أيّ مزية أميز، وأي فضيلة أفضل من أن تسجَّل هذه الكلمة في مضبطة مجلس النواب، ومن أن تسجَّل على أن نائبًا قذف بها في وجه الوزراء وزملائه من النواب!
"نعم امتازت هذه الكلمة، وكسبت حقوقًا، وليس على الصحف بأس أن تستعمل الألفاظ المهجورة، وتتخذها عنوانًا لما تكتب من الفصول بعد أن يمنحها النواب الحقوق المدنية، فيجب أن يقوم مجلس النواب الآن مقام المجمع اللغوي الذي أعلن تكوينه ثم لم يكن، وعزم على تأليفه ثم لم يؤلف، وأكبر الظن أن وزير التقاليد قدَّر في نفسه أن مجلس النواب يستطيع أن يستغني عن هذا المجمع، فيحيي المهجور من الكلام -وقد كدت أن أملي الهجر- ويضيف إلى اللغة ما ليس فيها، وما دام مجلس النواب قادرًا على أن يشرع في كل شيء، ويراقب كل شيء، ويقضي في كل شيء، فهو بإذن الله قادر أن يشرع في اللغة ويراقبها ويقضي فيها!!.
"ولكن مجلس النواب لم يحدد أمس -ولعله يريد أن يحدد اليوم- معنى كلمة الهمج هذه، فليس لكلمة من الكلمات قيمة إلّا أن يُحَدَّدَ معناها، ويضبط ما تدل عليه، وكان النائب الذي نطق بهذه الكلمة وأدخلها في معجم البرلمان، مغضبًا ثائرًا، منغص المزاج، فيجب إذن أن لا يكون قد أراد بها دعابة ولا فكاهة ولا مزاحًا، وفضلًا عن أن يكون قد أراد بها تحية للمجلس أو ثناء عليه!