والتعديل الذي يقوم على العقل، على أننا نجد في مقاله النزالي كذلك، اتجاهه وفق المنهج الديكارتي من "المعاني" إلى "الأشياء"1, أي: ألَّا ننسب إلى الأشياء إلّا ما ندركه إدراكًا بديهيًّا في معاني تلك الأشياء, وأن نرتب جميع أفكارنا في نسق خاص، بحيث يكون كل معنى منها مسبوقًا بكل المعاني التي يستند إليها، وسابقًا لجميع المعاني التي تستند إليه.
ونجد نموذج هذا الاتجاه في المقال النزالي عند طه حسين، في مقال بعنوان: "نجدة"2 يقول فيه:
"إذا قويت الوزارات آثرت الصراحة والحزم في القول والعمل، وإذا ضعفت الوزارات لجأت إلى الحيلة والالتواء فيما تعمل أو تقول, ويظهر أن وزارتنا قوية أشد القوة، عزيزة أشد العزة، ولكن قوتها تسمى ضعفًا في غير مصر، وصراحتها تُسمى التواء، وحزمها يُسمى حيلة ومداورة. وقد قلنا غير مرة أن للأمور العامة وضعين مختلفين، أحدهما: هذا الوضع القديم المألوف الذي تُسمى فيه الأشياء بأسمائها، هو هذا الذي نشهده في بلاد الأرض كلها، والأخر: هذا الوضع البديع الشاذ الذي تُسمى فيه الأشياء بنقائضها، وهو الذي نشهده في بلدنا السعيد، فنحن أحرار، ولكننا لا نستطيع أن نقول, ولا أن ننتقل, ولا أن يلقى ضحية الحركة الوطنية الحاضرة. وإليك بعض ما قال نسيم باشا مترجمًا ترجمة صادقة: -كلا! كلا! لن أقول شيئًا.
"لقد أديت واجبي, واجبي كله على عسرة ومشقة أحيانًا, فإذا هدأت الشهوات وأحسن خصومنا فهم الحقائق فسيَرَوْنَ أن السياسة التي اتبعتها كانت "رسميًّا" السياسة الوحيدة الممكنة, وكانت على كل حال بمقتضى الظروف أحسن سياسة تعين الشعب على تحقيق الغاية التي يسعى إليها بكل قواه"3.
ثم ينتقل بعد هذا الجزء الذي يتوسَّل فيه بوسائل طريقة الشك الديكارتي، إلى تقويم أقوال "نسيم", يقول طه حسين:
"أقرأت! أفهمت! أمَّا أنا فقد قرأت وفهمت, كان سياسة نسيم باشا السياسة الوحيدة الممكنة, وكانت سياسة نسيم باشا السياسة الوحيدة التي تعين الشعب على تحقيق آماله, كانت السياسة الوحيدة الممكنة لأن السفر إلى لوزان كان مستحيلًا؛ ولأن إصدار الدستور كاملًا كان مستحيلًا؛ ولأن الاحتفاظ بنص السودان كان مستحيلًا.