وفي سبيل هذا المطلب الدستوري يكتب بعنوان "وزارة بلا برنامج1" مؤكدًا منهجه في الوضوح والتعبير والتحليل:
"إنما وزارة الأقوال تلك التي تعرض عن كل حركة منتجة, وتكتفي بضروب القول الحسن تبذلها من غير حساب, ولم يطالب أحد الوزارة بذلك, وإنما نطالبها ويطالبها معنا الجمهور كله بأن تبين لنا ماذا تريد أن تعمل, وكيف تريد أن تعمل للخير حقًّا. فإن الرأي العام إذا عرف برنامجها وخطتها استطاع أن يراقبها عن كثب, فيؤيدها إن أصابت, ويرشدها إن تعرَّضت للخطأ قبل أن تقع فيه؛ لأنه يعلم ما تريد, ويعلم خطتها في تحقيق ما تريد. وهو بهذا التأييد والإرشاد لا ينفع الوزارة وحدها, بل ينفع الأمة قبل كل شيء؛ لأنه ينبه الوزارة إلى ما تتعرَّض له من الخطأ, فإذا سمعت له هذه الوزارة أمَّنت منافع الأمة أن تضيع, وإذا لم تسمع له كان الرأي العام قد أدى واجبه, وبيِّنَ وجهة نظر الجمهور, فأصبح غير مسئول عَمَّا تتورط فيه الوزارة من الأغلاط2".
ويتوسَّل طه حسين في سبيل الوضوح والتبسيط بطريقة التجريح والتعديل عند المسلمين كما تقدم، كما يتوسّل بالمنهج الديكارتي في النزال، ف"الصمت" و"الغموض" في الأعمال السياسية من أبغض الأمور لمقاله النزالي، ومقاومتهما للإشارة إليه، من مقال يكشف عنوانه عما ذهبنا إليه, ونعني مقال:
"تكلم نسيم! 3 "
"وكلام نسيم عجب من العجب, فقد عرفناه صامتًا إلّا عن ذكر الله والتسبيح بحمده والاعتماد عليه في القليل والكثير، والدقيق والجليل. تكلَّم نسيم وقد كان صامتًا، وسكن نسيم وقد كانت متحركًا, ذلك أن صاحب الدولة ورئيس وزارة الشعب يجمع خصلتين متناقضتين ولكنهما تميزان عظماء الرجال؛ فهو ساكت إذا تحرَّك, ساكن إذا تكلَّم. وآية ذلك أنه حكم شهرين وأكثر من شهرين فعمل كثيرًا. كثيرًا جدًّا, ولكنه لم يقل شيئًا إلا الاعتماد على الله والاستعانة بالله, ثم أقيل وسكن فبدأ يتكلم, ولست أزعم الآن أنه عمل خيرًا أو قال خيرًا, ولكني أثبت قبل كل شيء أن نسيم