"زعم المصريون أن المستشار المالي نصح للحكومة المصرية ألا تتعجل إنشاء خزان جبل الأولياء، ثم أكد المصريون هذا الزعم وجعلوه يقينًا، ثم نشرته الصحف, وطلبت وطلبنا معها إلى الحكومة أن تبين للناس وجه الحق فيه، وقد أخذ الإنجليز يزعمون وينشرون كما كان المصريون يزعمون وينشرون أن المستشار المالي لا ينصح بالمضي في هذا المشروع الآن، وكل شيء يدل على أن الإنجليز سيستقلون بعد ما زعموا كما زعم المصريون ثم استيقنوا، وإذن فمن المحَقَّق "إلى أن تقول الحكومة غير هذا"، أن الرجل الذي تصر الحكومة الإنجليزية على بقائه في منصبه بمصر رقيبًا على تصرفات مصر المالية أن يحتمل تبعة الصمت: على هذا التصرف الغريب في هذه الأزمة المنكرة، معنى ذلك كما قلنا من قبل أن هذا المستشار الإنجليزي لا يتردد في أن يقهر عواطفه الإنجليزية، ويعرض عن المنافع الإنجليزية، ويعلن إلى الحكومة رأيه مكتوبًا، وهو النصح بتأجيل المشروع الآن.
"كل هذا حق إلى أن تنفيه الحكومة نفيًا صريحًا واضحًا لا يحيط به الغموض والإبهام مثل ما أحاط بموقف وزير الأشغال من هذا المشروع1".
وتكاد بعض الألفاظ والتعبيرات في هذا القسم من المقال تشير إلى الأسلوب الديكارتي في استجلاء الحقيقة، ولكن هذه الحقيقة عند طه حسين هي الحقيقة العملية الواقعية، التي تحدد المعالم الأساسية للرؤيا الوظيفية عند كاتب المقال. ذلك أن الشك الديكارتي في مقال طه حسين، يتوسَّل بالأسس المنهجية، التي يضيف إليها طه حسين طريقه العقلي العملي العام، الذي يتسم بسمات ديكارتية أخرى غير الشك, مثل الوضوح والتميز في الحكم والتعبير والتحليل، كما يبين من المقال المتقدم حين يعتبر "الصمت" تبعة, وأن "النفي" يجب أن يكون "صريحًا واضحًا لا يحيط به الغموض والإبهام". وما إلى ذلك مما يشيع في مقالاته الأخرى.
ومن هذه المقالات يمكن تفسير الحاجة المستمرة في نزالياته، على أن يكون لكل وزارة "برنامج واضح" يمكن أن "يناقش ويناله التنقيح والتمحيص"2. ذلك "أن لأمة المصرية قد كسبت في هذا العصر الجديد حقًّا جديدًا, وهي حريصة على أن تحتفظ بهذا الحق وتستمتع به, هذا الحق هو أن تقرأ لكل وزارة جديدة برنامجها الذي تبيِّنُ فيه آراءها السياسية, وخطتها في تحقيق هذه الآراء3".