ولا يوجههم الوفد في الطرق التي يسلكونها، ومن حق الوفد لنفسه أن يشجعهم حين يدعون إلى مذهبه، وينتصرون لمبدئه، وليس من حق أحد أن ينكر ذلك على الوفد أو يلومه فيه"1.
ذلك أن الأسلوب العقلي في النزال يقتضي مناخًا ديمقراطيًّا يتمكَّن فيه من أن يتناول الأشياء على النحو الذي يُبَيِّنُ "الحقيقة" ويكشف عنها، ذلك أيضًا أن "اليقين يقتضي الشك"2، الأمر الذي يصل بين النزال ووظيفة "المعارضة" من حيث تبيان "خطأ الوزارة"3 وطلب إصلاح هذا الخطأ، فإذا "قصرت الوزارة" فإن المقال النزالي مطالب بإظهار تقصيرها4، وإذا "شطت الوزارة"5 فإنه مطالب كذلك بتبيين "شططها, وطلب إليها أن ترتَدَّ إلى شيء من القصد والاعتدال"6, ومن أجل ذلك يأخذ المقال النزالي على "ديكتاتورية" صدقي كل سبيل، كما أخذ على التبشير والمبشرين كل سبيل كذلك، لأن مقاومة الاستبداد، لا تقل خطرًا عن مواجهة الخطر الذي يهدد معتقدات الناس، على أن هذا الفهم يدحض الزعم, روجت له صحف الوزارة بأن "المعارضين يتخذون قصة المبشرين وسيلة إلى إحراجها، وإنما الحق الذي لا شك فيه أن المعارضين قد أرادوا وما زالوا يريدون وسيريدون دائمًا أن تنهض الحكومة بما خلقت له، وهي إنما خلقت قبل كل شيء لحماية المواطنين من العدوان الخارجي، ومن فساد النظام واضطراب الأمن في داخل البلاد، وليس حماية للمواطنين من العدوان الخارجي أن يترك المبشرون يقدرون عليهم من كل مكان, فيعبثون بصبيانهم, ويسيئون إليهم في الدين والكرامة والأخلاق"7.
على أننا لا نجد في مقالة النزالي مجرد فكر ليسعى للتفسير، وإنما نَحُسُّ به فكرًا يسعى للسيطرة على الواقع التاريخي والاجتماعي، إنه يعيد صياغة الأحداث وترتبها وتبويبها على نحوٍ منطقي عقلي صارم، بحيث نجد في مقاله النزالي رجل سياسة خبير بنفوس الرجال وأحوال الحياة، وذلك على الرغم من كثرة العبارات الظنية التشككية، التي يتوسَّل بها في التعبير عن "مواقفه" العملية المدروسة، ومن ذلك مقال بعنوان: "عناد"8 يقول فيه: