تلك الإقامة وهذا التشييد، وفي هذه الأيام التي تشتد فيها الحاجة، لا أقول إلى الاقتصادر والتدبير, بل إلى البخل والتقتير1.
ومن تعبيراته في هذه الفقرة من المقال يبين المنهج الديكارتي في التوسُّل بالشك الذي يتضح من قوله: "الناس يقولون" و"يؤكدون" إلخ. وهذا الأمر الذي يميز مقالاته النزالية حيث يبدؤها بالشك، والمضي فيه إلى أبعد الحدود، وتعليق رأيه حتى يتبين الحقيقة. وهو لذلك يقول في المقال المتقدِّم بعد استعراض "شكوكه": وقد يكون من الحق على الحكومة لنفسها أولًا, ولمصر ثانيًا, وللإنجليز ثالثًا, أن تصدر بلاغًا تريح الناس فيه من الكلام حول موقف المستشار المالي في هذه المسألة, كما أراحتهم من الكلام حول موقف وزير الأشغال.. إلخ"2. إلى أن يقول في خاتمة المقال مؤكدًا على "استجلاء الحقيقة":
"ونستطيع أن نؤكد للحكومة أن موقف المستشار المالي من خزان جبل الأولياء له خطره, وهو خليق بأن يتحدث فيه إلى رئيس الوزراء على شدة حاجته إلى الراحة والهدوء، هو خليق أن يسأل رئيس الوزراء عن الطريقة المثلى المعقولة التي ينبغي أن تسلك تجاهه وتوضيحه أمام الرأي العام"3.
ويتفق هذا الأسلوب العقلي في النزال عند طه حسين مع اتجاهه الديمقراطي, ذلك أن "الذين يحبون الحياة الديمقراطية، ويحصرون عليها مخاصين، لا ينبغي أن يستمتعوا بخيرها ويضيقوا بشرها إلى هذا الحد، وإنما ينبغي أن يقبلوها كما هي، وأن يجدوا ما استطاعوا في إصلاح شرورها وعيوبها، لا بالعنف ولا بالشدة ولا بضيق النفوس وحرج الصدور، ولكن بالأناة والحلم، وبضبط النفس وقهر الهوى، وبالدعوة إلى الخير بالحجة والموعظة الحسنة، لا بالاستعداء ولا بالنذير"4.
وتأسيسًا على هذا الفهم يذهب إلى تأييد الصحف الهازلة، في مواجهة رفض الدكتور هيكل لها، ذلك أن النزال في مفهوم طه حسين يقتضي أن تقول جميع الاتجاهات ما تشاء, وأن تتوسَّل إلى ذلك القول بما تشاء من وسائل صحفية؛ فحزب الوفد -كما يقول طه حسين- "كغيره من الأحزاب الديمقراطية، له صحفه الرسمية التي تصف آراءه، وتصور مذاهبه، وتدعو بلسانه، فهو مسئول عن هذه الصحف، ولكن هناك أشياعًا للوفد كثيرين، يتصلون به، وينتصرون له، ويدعون إليه بالكلام حينًا, وبالكتابة في الصحف حينًا آخر، وهؤلاء لا يستشيرون الوفد، ولا يصدرون فيما يكتبون عن وحي من الوفد،